شفق نيوز/ تتوج زيارة رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني إلى العاصمة الألمانية برلين ومحادثاته مع المستشار الألماني أولاف شولتز، وكبار المسؤولين الألمان، مرحلة مهمة من التقارب الألماني مع كل من بغداد واربيل، والتي تعززت خلال الشهور الستة الماضية، والتي يؤمل ان تقود الى ثمار ملموسة سياسياً واقتصادياً لملايين العراقيين والكورد.
وتأتي زيارة نيجيرفان بارزاني الى برلين، بعد نحو 6 شهور على زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى ألمانيا والتي فتح خلالها الباب واسعا لتمتين العلاقات العراقية-الألمانية، وبعد 3 شهور على زيارة وزيرة الخارجية الالمانية أنالينا بيربوك إلى بغداد وإقليم كوردستان، وما تخلل هاتين الزيارتين من اتفاقات وتفاهمات في العديد من المجالات، لعل أبرزها الاتفاقات المبرمة مع شركة "سيمنز" العملاقة للمساهمة في معالجة مشكلة الكهرباء في عموم العراق من خلال مشاريع طموحة.
ولهذا، يقول مراقبون ان زيارة نيجيرفان بارزاني الى المانيا الان، تساهم في التأكيد على الطرقات المعبدة أمام تعزيز المصالح الاقتصادية والسياسية مع الألمان، وهي بمثابة مؤشر مطمئن لبرلين التي تولي العلاقات مع اربيل، والكورد خصوصا، اهمية استثنائية خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي ازدادت اهمية مع اعلان قيام الاقليم، ثم مع التهديد الذي شكلته الموجة "الداعشية" الارهابية، والتي تحركت المانيا سريعا لتقوية الهياكل العسكرية للاقليم، وتحديدا قوات البيشمركة، للتصدي للخطر الارهابي.
كما تأتي الزيارة الالمانية لنيجيرفان بارزاني في اجواء انفتاح اقليمي ومصالحات، سيكون لها بالتأكيد تاثيراتها الايجابية على الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية في اقليم كوردستان، والعراق عموما، ومن شأن مثل هذه الزيارة واجواء تنفيس الاحتقان الاقليمي، ان تضفي اهمية اضافية على التطلعات الالمانية في الميدان الاقتصادي مع دول المنطقة.
وكانت غرفة التجارة والصناعة العربية-الالمانية ذكرت في تقرير لها ان حجم التبادل التجاري بين الدول العربية والمانيا خلال الفترة الممتدة بين يناير/ كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني العام 2022، ما قيمته 46,3 مليار يورو، مسجلاً ارتفاعا بنسبة 24,8 %، مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021. وبالنسبة الى العراق فقد اظهرت البيانات ان قيمة الواردات الالمانية من العراق بلغت 1795.5 مليون يورو، بينما بلغت الصادرات الالمانية الى العراق 958 مليون يورو.
وكانت هذه الارقام، قبل زيارة السوداني مع بداية العام 2023، وقبل زيارة وزيرة الخارجية الالمانية ايضا قي اذار/مارس الماضي، وايضا قبل زيارة نيجيرفان بارزاني الان الى برلين، وهو بحسب ما تقول مصادر مطلعة، سيؤدي حتما الى تعزيز التبادل التجاري بين الطرفين في المرحلة المقبلة ليبلغ مستويات قياسية.
وكان بيان لرئاسة الاقليم ذكر ان محادثات نيجيرفان بارزاني في برلين تشمل سبل تعزيز علاقات العراق واقليم كوردستان مع ألمانيا، وتوسيع مجالات التعاون المشترك، وذلك الى جانب الأوضاع في العراق وإقليم كوردستان والمنطقة بصورة عامة.
ومن الواضح ان برلين تولي علاقاتها مع اقليم كوردستان اهمية استثنائية، ويلاحظ الخبراء مثلا ان الادوار العسكرية الالمانية في الخارج محدودة، لكن المانيا، مع ذلك، تقوم بأحد أبرز المهمات التدريب والتسليح التي تقوم بها مع اقليم كوردستان، حيث قدم الجيش الالماني المعدات والاسلحة من بنادق وصواريخ وقاذفات وحتى عربات عسكرية الى قوات البيشمركة. وكان الجيش الالماني سارع الى تنفيذ برامج تدريب عسكرية للمقاتلين الكورد سواء في الاقليم نفسه او في المعسكرات الالمانية، عندما بزر خطر داعش قبل نحو 9 سنوات.
وبحسب المركز الاوروبي لدراسات مكافحة الارهاب، فقد درب الالمان حتى العام 2019، حوالى 10 الاف عنصر من البيشمركة. ويقول المركز نفسه ان وزارة الدفاع الالمانية قامت بتصدير الأسلحة إلى إقليم كوردستان، اعتباراً من أغسطس/آب العام 2016، سلمت خلال دفعتها الأولى فقط أكثر من 70 طناً من الأسلحة الأكثر تطوراً، وهي عملية تسليح استمرت بعد ذلك لسنوات.
ويدرك نيجيرفان بارزاني هذه الوقائع، كما يدرك الاهمية التي تعلقها برلين على العلاقات مع الكورد عموما، حيث ان هناك اكثر من 600 الف مواطن الماني من اصول كوردية، وهم بين اكثر المكونات نشاطا وحضورا في الحياة الالمانية. كما انه من الواضح بالنسبة للسياسيين الالمان ان النموذج الذي يقدمه اقليم كوردستان في المنطقة وايضا ضمن العراق الاتحادي، يمثل اولوية من مقاربة المانيا لعلاقاتها العراقية وعلاقاتها في المنطقة عموما.
وفي سياق هذا الفهم للمشهد، غرد نيجيرفان بارزاني على "تويتر" بعد لقائه مع المستشار الالماني قائلا "تبادلنا وجهات النظر حول تعزيز العلاقات القائمة بين إقليم كوردستان والعراق مع ألمانيا... وأعربت عن امتناني لدعم ألمانيا خلال الأوقات العصيبة على مر السنين".
وتقول مصادر مطلعة ان نيجيرفان بارزاني يساهم في هذه الزيارة في البناء على تحقق بالفعل خلال الشهور الماضية. فعندما قرر السوداني الدخول القيام باول زيارة الى اوروبا من خلال البوابة الالمانية، اجرى محادثات مع كبار المسؤولين الالمان وممثلي الشركات الكبرى، تناولت تذليل عقبات توسيع الاستثمارات الالمانية في اعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية، والسعي لفتح خطوط جوية بين المدن العراقية والألمانية، وتسهيل تدفق السياح الالمان لزيارة المناطق الأثرية والسياحية في العراق، والعمل على حلول حاسمة في قطاع الكهرباء من خلال خطة واعدة للنهوض بقطاع الكهرباء مع شركة "سيمنز" الالمانية في مجال الإنتاج والنقل والتوزيع" لتأمين الكهرباء لنحو 23 مليون عراقي من خلال 13 محطة كهرباء، التي تعتبر حجر الزاوية في اي عملية نهوض اقتصادية. كما تناولت المحادثات الاتفاق حول برامج التنمية والتدريب المهني والتعليم، وتسهيل منح سمات الدخول إلى الأراضي العراقية للمستثمرين الالمان مباشرة في المنافذ الحدودية العراقية (البرية، والبحرية، والجوية) لغرض الاستثمار.
يأخذ نيجيرفان بارزاني بالاعتبار ايضا ان برلين ساهمت بحوالي 3.4 مليارات دولار في جهود التنمية واعادة الإعمار في العراق عموما، وفي الاقليم ايضا، كما انها مساهم رئيسي في البرامج الاجتماعية والتنموية للشرائح الاجتماعية المحدودة الدخل والنساء والاقليات المهمشة، بما في ذلك الايزيديين الذين شردوا من مناطقهم في سهل نينوى، وغيرها. ولا تزال برامج التدريب والتعاون العسكري بين الجديش الالماني مع البيشمركة قائمة الى الان لتطوير مهارات المقاتلين الكورد للتصدي للخطر الارهابي الذي لا يزال ماثلا.
وكانت زيارة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الى العراق واقليم كوردستان محطة مهمة في بلورة السياسة الخارجية الالمانية في المنطقة عموما، حيث اجرت الوزيرة الالمانية 3 ايام من المحادثات في الاقليم، من كبار المسؤولين، وصولا الى الناشطين والنازحين والمهجرين، وهي تابعت اوضاع هذه الفئة وخصوصا المشاريع الإنسانية التي تنفذها بلادها في دهوك وسنجار.
وكان الدور الالماني مهما في التصدي لخطر داعش، اذ ان برلين انضمت منذ بداية التحالف الدولي في العام 2014 للمساهمة في قتال التنظيم الارهابي. كما ان المانيا كانت السباقة عالميا في تصنيف الجرائم التي تعرض لها الايزيديون بانها ابادة جماعية، واصدرت احدى محاكمها حكما قضائيا بحق احد المقاتلين السابقين في داعش واتهمته بارتكاب ابادة جماعية.
وفي هذا الاطار، فان زيارة نيجيرفان بارزاني تكتسب اهميتها، سواء من خلال محادثاته مع المستشار أولاف شولتز، او مع سكرتيرة الدولة بوزارة الاقتصاد الألمانية فرانسيسكا برانتنر التي اتفق معها على ضرورة إعداد برنامج متين لمساعدة العراق والاقليم في مواجهة أزمة الجفاف والتغير المناخي، وحاجة العراق الى المساعدة في مجال الطاقة المتجددة وتقليص الاعتماد على النفط وتشجيع القطاع الخاص والاستثمارات الألمانية في العراق وإقليم كوردستان.
وخلال محادثاته مع وزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية سيفينا شولتز، تباحث رئيس الاقليم معها حول تطوير العلاقات بين المانيا والعراق والاقليم والتعاون المشترك في مختلف المجالات والوضع في سنجار والايزيديين والنازحين واللاجئين في الاقليم الى جانب مخاطر التغيير المناخي. ووجه نيجيرفان بارزاني الشكر لألمانيا على الدعم والتعاون مع العراق واقليم كوردستان، مؤكدا رغبة الاقليم في تطوير العلاقات مع المانيا ومواصلة التعاون المشترك.
اما بعد محادثاته مع وزير الدولة الالمانية للشؤون الخارجية توبياس ليندنر، فقد دعا رئيس الاقليم ألمانيا إلى استمرار دعمها للعراق والإقليم للقضاء على الإرهاب وفرض الأمن والاستقرار، بينما اكد ليندنر على استعداد المانيا لدعم العراق واقليم كوردستان في اي وقت واي مجال، مشدداً ايضا على استمرار مهام القوات الالمانية في اطار التحالف الدولي لمحاربة داعش.