شفق نيوز/ تبدي علياء البالغة ستة سنوات خوفا شديدا من الذهاب إلى المدرسة وتخلق الأعذار للتغيُّب عنها، بعد إطلاق وصف "السمراء" عليها من قبل زملائها التلاميذ في أول مرحلة دراسية لها (الأول الابتدائي)، التي بدأت نتيجة لذلك بأخذ سلوك انعزالي بعيدا عن صديقاتها وزميلاتها في المدرسة.
وتقول والدة علياء من محافظة كربلاء لوكالة شفق نيوز، إن "ابنتي كانت متحمّسة للذهاب إلى المدرسة لتبدأ مسيرتها الدراسية، لكنها بعدة فترة بدأ شغفها يقلُّ في المدرسة وصولا إلى كرهها لها، وعند جلوسي معها واستفساري عن سبب هذا التغير، تبين أنها تتعرّض للتنمر بسبب لون بشرتها، ما اضطرني حينها إلى نقل علياء إلى مدرسة أخرى".
وتدعو والدة علياء الملاكات التربوية الى "إعطاء دروس ليس فقط لتعليم الأطفال القراءة والرياضيات وغيرها، بل تربية أخلاقية تُفهم الأطفال الصح من الخطأ، والتنبّيه على أهمية ترك التنمر الذي له نتائج سلبيّة على نفسية الطفل ويؤدي إلى كرهه للمدرسة واصدقائه وبالتالي يكون منعزلا، ما يتطلب وجود تعاون بين الأهل والجهات المعنية لمعالجة هذه الظاهرة السلبية وخاصّة في مرحلة التعليم الابتدائي".
وتنتشر ظاهرة التنمر في العراق بين تلاميذ وطلبة المدارس، وذلك بسبب عدم وجود رقابة حكومية وأسرية على الأشخاص الذين يمارسون هذا السلوك العدواني، الذي يدلُّ على اختلال في الطاقة لدى الشخص المتنمّر، لسلوكه المُتمثّل بالهجوم على الآخرين لفظيا أو جسديّا، ويعتبر من أسوأ الأساليب العدوانيّة.
والتنمر هو شكل من أشكال العنف والإيذاء والإساءة التي تكون موجهة من فرد أو مجموعة من الأفراد حين يكون الفرد المهاجم أقوى من الأفراد الباقين باستعمال لسانه بالتحرش والاستفزاز، وعندما يرى الضحية تلبس الضعف والجبن عندها، يستعمل يديه وربما رجليه، فهو سلوك عدواني متكرر يهدف للاضرار بشخص آخر عمدا جسديا أو نفسيا بهدف اكتساب السلطة على حساب شخص آخر.
وتأخذ بعض التصرفات التي تعتبر تنمرا كالتنابز بالألقاب أو الإساءات اللفظية الجارحة والإقصاء المتعمد من بعض الأنشطة والمناسبات الاجتماعية، تأخذ أحيانا الاحتكاك الجسدي كالضرب والركل أو المزاح الثقيل، ويتصرف المتنمّرون بأساليب السيطرة القسرية هذه بدافع الغيرة، أو إلفات النظر على أنهم أقوياء.
علاج خجول
ويقول الخبير التربوي، حيدر البياتي، إن "التنمّر المدرسي يتفاوت نوعه ودرجته من بيئة اجتماعية وأخرى، ويتفاوت التنمر في المدارس ما بين مرحلة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية، فكلما كبر التلميذ المتنمّر يقلُّ تصرفه العدواني هذا، لأنّه يعي ويفهم واقع الحال، لكن بعضهم يستمر في هذا السلوك العدواني إلى الكبر".
ويضيف البياتي، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "علاج التنمّر في العراق خجول، فلا يتوفّر طبيب نفسي أو باحث تربوي واجتماعي في المدارس لمعالجة مثل هكذا حالات الا ما ندر، وعلاجها يكون بإفهام التلاميذ أن التنمر تصرف خاطئ يؤذي المقابل وينتج عنه آثار سلبية للشخص والمجتمع بصورة عامة".
وكان وزير التربية السابق، علي حميد الدليمي، وجه بالتصدي لـ"ظاهرة التنمر" في المدارس، داعيا "المفكرين والمثقفين والمهمومين بقضايا البحث التربوي إلى ضرورة التصدي لهذه الظاهرة التي ظهرت مؤخراً في مدارسنا، فضلاً عن دراسة كيفية تعاطي الإشراف التربوي وتعامله مع قضايا التنمر ضد الملاكات التدريسية".
وأكد الدليمي بحسب بيان للمكتب الإعلامي للوزارة في (8 كانون الأول 2021): "يجب علينا جميعا، أن نعمل جاهدين على منع حالات التنمُّر المدرسيّ، لما له من آثار سلبيّة كبيرة قد تصل إلى هدم شخصيّة التلميذ المتعرّض للتنمّر، إنّ القضاء على هذه الظاهرة، أو الحدّ منها، يتطلّب تكاتف لجهود الأولياء والأسرة التربويّة والسّعي المُشترك من أجل بناء مستقبل أفضل لأبنائنا".
البيئة الأسريّة
وتقول الباحثة الاجتماعية ورئيسة منظمة شمس بغداد الثقافية الطبية، بلقيس الزامل لوكالة شفق نيوز، إن "التنمر يُعدُّ من الظواهر السلبية في المجتمع العراقي، وينتشر بين الأطفال والمراهقين، ويعود لأسباب مختلفة أبرزها البيئة التي يعيش فيها الطفل".
وتوضح الزاملي، أن "الكثير من الأطفال الذين نراهم يتنمّرون على غيرهم يعيشون في أجواء غير طبيعية، فيها مشاحنات وخلافات أسريّة، ليس فيها استقرار عائلي أو سلام نفسي، لذلك يظهر عليهم هذا النقصُ من خلال التنمّر على الآخرين وتشويه صورتهم أو يُسمعونهم كلاما جارحا".
وتتابع، "ولمعالجة هذه الظاهرة على الوالدين الاهتمام ببيئة الطفل الأساسية وتربيته وتعليمه بأن الذي يتنمّر عليه هو ليس أفضل منه، بل انه فقط مختلف عنه، لذلك يجب أن يتربى الطفل على تقبّل الآخر، وإفهامه أن اختلاف البشر جاء لحكمة ربانية".
وتنبه الزاملي في الختام بالقول إن "على العائلة عدم تشجيع طفلها الذي يمارس سلوك التنمر، فلا يقابلون تصرفه العدائي هذا بالضحك، على اعتبار أنه يملك حس الفكاهة والطرافة، أو يعدون ذلك من الشجاعة، بل يجب تحذيره بأن ما يفعله خطأ ومنافٍ للأخلاق والدين والقيّم، فإذا لم يعرف منذ طفولته الصح من الخطأ فإنه سيكبرُ عليه".