شفق نيوز- بغداد

مع الانفجار الهائل في تقنيات الاتصالات والتصوير والنشر تحولت حياة الأفراد في العراق إلى فضاء مفتوح يمكن اختراقه بسهولة بكبسة "زر"، وتحولت الخصوصية إلى مادة للاستهلاك اليومي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، غير أن التشريعات العراقية لم تواكب هذا التحول المتسارع، فبقيت النصوص القانونية متناثرة وقديمة لا تمتلك القدرة على حماية الأفراد.

هذا الواقع أدى إلى ظهور موجة كبيرة من "التطفل الرقمي"، حيث يسعى البعض لجمع المشاهدات على حساب سمعة الآخرين، فيما تتزايد الإساءة الإلكترونية مع غياب الردع وضعف تطبيق القانون، وفي الوقت نفسه ما يزال البرلمان عاجزاً منذ سنوات عن إقرار قانون متكامل للجرائم الإلكترونية.

فيروز عقيل، خريجة كلية الفنون الجميلة إحدى اللواتي تعرضن إلى التطفل في هذا الفضاء الرقمي تقول لوكالة شفق نيوز، إنها واجهت مشكلات عائلية قاسية بعدما قام أحد المارة بتصوير حفل تخرجهم ونشره على مواقع التواصل دون إذن حيث انتشر الفيديو بشكل مخيف، وامتلأت التعليقات بالسب والقذف والتنمر وعلى الرغم من محاولات عدة للتواصل مع الصفحات المعنية الناشرة هذا الفيديو لكن دون جدوى.

حادثة فيروز ليست فردية بل أصبحت نموذجاً يتكرر في حفلات التخرج والأعراس والمناسبات العامة حتى أنّ العديد من قاعات الأعراس عمدت إلى منع إدخال الهواتف المحمولة في الحفلات النسائية خشية التصوير غير المشروع.

وفي خطوة لافتة، أعلنت جامعة الفراهيدي في بغداد قبل يومين فصل وترقين قيد مجموعة من الطلبة بعد تصوير ونشر محتوى مسيء يخالف التعليمات الجامعية.

وأكدت رئاسة الجامعة في بيانها أن "أي سلوك يخرج عن القيم والأعراف الأكاديمية لن يكون محل تساهل".

ورغم أهمية هذه الإجراءات، إلا أن خبراء القانون والاجتماع يؤكدون أنها حلول آنية في ظل غياب قانون شامل يضبط السلوك الرقمي.

جوانب قانونية

بينما يوضح المواطن حامد خليل، أن جوهر المشكلة يكمن في "معادلة غير عادلة"  على حد تعبيره.

ويقول في حديثه لوكالة شفق نيوز، إن ضعف القانون وتعقيد الإجراءات القانونية يجعلان العقوبة غير متناسبة مع حجم الجهد المطلوب للوصول إلى الجاني.

ويضيف أن "العقوبة قد تكون سنة واحدة، لكن ملاحقة الشخص الذي نشر التصوير تستغرق أشهر طويلة، وتحتاج مبالغ مالية وجهداً كبيراً وترددا مستمراً على المحاكم"، مبيناً أن "هذا الوضع غير صحيح، وقد شجع العديد من المتطفلين على التمادي في انتهاك خصوصيات الناس".

في القابل، يرى المحامي علي التميمي، لوكالة شفق نيوز، أن المادة 438 من قانون العقوبات تعاقب بالحبس سنة أو بالغرامة كل من ينشر صوراً أو معلومات تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد حتى لو كانت صحيحة.

ويتابع التميمي، قائلاً إن "نشر صور الأطفال هي أيضاً محمية وفق هذا القانون فالأب أو الأم هما اللذان يقيمون الدعوة أو الشكوى على من يقوم بنشر الصور دون إذن"، مستطرداً بالقول: "حتى مسألة الاطلاع على الرسائل أو المكالمات يعاقب عليها بنفس العقوبة ولهذا القانون يحمي الجميع".

ويشير إلى أن "القوانين العراقية في مجال حماية الخصوصية لم تعد كافية لمواكبة التطور التكنولوجي"، موضحاً أن "العراق ما زال يعتمد على قانون العقوبات الصادر في العام 1969، وهو قانون وضع في زمن لم يكن فيه أي وجود للهواتف الذكية أو وسائل التواصل الاجتماعي".

ووفقاً للتميمي، فإن العراق أصبح بحاجة ضرورية إلى تشريع قانون الحماية من الجرائم الإلكترونية، وهو قانون سبق أن أقرته 13 دولة عربية، من بينها فلسطين.

ويختم الخبير القانوني، حديثه بالقول: "رغم هذا النقص في التشريعات الحديثة، إلا أن المحاكم في العراق وإقليم كوردستان تستقبل يومياً العديد من الدعاوى المتعلقة بانتهاك الخصوصية واستخدام التكنولوجيا بطريقة مسيئة''.

رؤية تحليلية

بعض المواطنين باتوا يستخدمون التصوير كوسيلة لحماية أنفسهم من الاعتداءات، في ظل تداخل القانون مع الأعراف العشائرية، إذ يلجأ البعض إلى التوثيق خوفاً من ضياع الحقوق.

هذا الاستخدام الاضطراري جعل الحدود بين التوثيق المشروع والتطفل المرفوض أكثر ضبابية، ما يتطلب قانوناً واضحاً يفصل بين الحالتين دون الإضرار بحقوق الأفراد.

وتقول مناهل الصالح، وهي باحثة في علم النفس، إن "المجتمع العراقي مر بمرحلة انتقالية صعبة ومعقدة أثرت بشكل مباشر على كل مفاهيم الحرية والخصوصية، فسنوات الحروب والحصار والإرهاب جعلت العراقيين بعيدين عن مفاهيم الأخلاق وجعلتهم منشغلين في المعيشة والاستقرار".

وفي حديث لوكالة شفق نيوز، تضيف أن الخوف أصبح نادراً بسبب العشائر والمال الذي أصبح يحل لأكبر المشاكل من القتل والاغتصاب وغيرها وكل هذه النقاط ساهمت في تطبيع السلوك وتكراره".

كما توضح الصالح أن المشكلة تكمن في البنية الاجتماعية التي تحتاج الى إعادة تشكيل وتوعية بثقافة احترام الخصوصية، مبينة أن منصات التواصل الاجتماعي وما يعرف بظاهرة أبطال الكيبورد، إضافة إلى "الترندات والطشة"، حسب قولها، دفعت العديد من الأفراد إلى السعي وراء المشاهدات والاعجابات بأي وسيلة ممكنة حتى لو كانت غير اخلاقية. 

"هذا السلوك خلق بيئة تشجع على التصوير العشوائي ونشر المحتوى دون التفكير بعواقبه على خصوصية الآخرين، لأن الهدف أصبح تحقيق الانتشار السريع أكثر من احترام الحقوق الفردية"، بحسب الباحثة الاجتماعية.