شفق نيوز/ التغير المناخي والاحتباس الحراري وانحسار المساحات الخضراء، بسبب الجفاف وشح الأمطار، عوامل رئيسة أسهمت باتساع ظاهرة التصحر في العراق.
والعراق واحد من بين أكثر خمس دول تضرراً من التغير المناخي، كما يشكل دليلاً حياً على أن العمل العالمي لم يتبلور بعد، وأن الإنجاز أصعب بكثير من التوصيات والقرارات، وأن الأرض، كما في العراق تحديداً، ظمآنة وهي التي لطالما عرفت عبر حضاراتها باسم بلاد ما بين ما بين النهرين أو بلاد الرافدين، الأمر الذي يتطلب حلولاً ناجعة ترتكز على الأشجار والغابات، بصفتها ملاذ البشرية الأخير على ما يبدو من أجل إنقاذ الأرض.
الوزارات العراقية المعنية بإيجاد الحلول السريعة للتغير المناخي والاحتباس الحراري، ألقت باللوم على الحكومة بسبب قلة التخصيصات المالية، لتنفيذ مشاريع استراتيجية تعالج التصحر وتزيد من المصدات الطبيعية للعواصف الترابية التي تسيطر على الأجواء في أغلب مدن ومحافظات البلاد
هشاشة التربة
وزارة البيئة، وعبر مدير إعلامها، أمير علي الحسون، أشار إلى أن "العراق بعد انضمامه إلى اتفاقية باريس للتغيرات المناخية، أعد خطة التكيف الوطنية الخاصة بالتقليل من آثار تغيرات مناخه على اعتباره واحداً من خمس دول حول العالم أكثر هشاشة بالتربة، وتلك ناجمة عن إهمال طال البنى التحتية لأكثر من أربعين عاماً مضت، لذا وضعت البلاد في مشكلات بيئية وصحية كثيرة".
وأضاف الحسون، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "خطة التكيف الوطنية التي صادق عليها مجلس الوزراء، وضعت العراق أمام التزامات كثيرة ووزعت على جميع الوزارات العراقية مجموعة من الأدوار وفق الخطة التي تشرف عليها وزارة البيئة وتتلخص تلك المهام أو الأدوار بتعزيز الموارد الطبيعية، إلى جانب زيادة المساحات الخضراء واعتماد الطاقة المتجددة والتقليل من استخدام الوقود الأحفوري على المديات البعيدة أي وصولاً لعام 2030، بمعنى يكون الاعتماد على الطاقة المتجددة في شكل رئيس".
انحسار المياه
وأوضح أن "من بين الإجراءات المتبعة لتقليل مساحات التصحر، المبادرة التي أطلقتها الوزارة وبالتعاون مع البنك المركزي التي تقضي بمنح المواطنين وأصحاب الانشطة الصناعية والزراعية قروضاً من دون فائدة لاستخدام منظومات الطاقة الشمسية ذات مواصفات عالية تدعم الطاقة المتجددة وأن العراق يسعى لتحقيق تقدم ملموس في تقليل الآثار المناخية".
وتابع الحسون: "من بين أهم الأسباب التي زادت في اتساع ظاهرة التصحر هو انخفاض الاطلاقات المائية حيث يصل العراق (ثلث) ما كانت تصله من المياه قبل عام 2003، إضافة إلى النمو السكاني التي أوجدت نوعا من الفوضوية في تحويل أراضٍ زراعية شاسعة إلى مساكن من قبل البعض مستغلين ضعف القانون وانعدام الخدمات".
ولفت مدير إعلام وزارة البيئة، إلى أن "لجان مراقبة تابعة للوزارة تتابع مع الدوائر البلدية إجراءات عدم تحويل جنس الأرض من زراعية إلى سكنية، وفق التصميم الأساس للمدن"، مؤكداً "انخفاض الأراضي الزراعية إلى (الثلث) عما كانت عليه".
وتؤكد أرقام رسمية في العراق، أن التصحر بات يطال 39 % من الأراضي، كما تهدد زيادة ملوحة التربة القطاعَ الزراعي في 54% من الأراضي المزروعة، علماً بأن موسم الأمطار للعام 2020-2021 كان الأكثر جفافاً خلال 40 عاما مضت، وهو ما أدى الى نقص حاد في التدفقات المائية في نهري دجلة والفرات بلغت نسبتها 29 % (في دجلة) و73 % (في الفرات).
أما وزارة الزراعة، فلفتت على لسان المتحدث باسمها حميد النايف، إلى أن "من أهم أسباب اتساع رقعة التصحر في البلاد هو قلة التخصيصات المالية لتنفيذ استراتيجية الوزارة في ذلك، إلى جانب قلة الأمطار، وفقدان الغذاء النباتي، وأيضا تصاعد الاحتباس الحراري، كما أن نصف مساحة العراق اليوم باتت مهددة بالتصحر، وأن الحلول الترقيعية لن تحل المشكلة".
15 مليار شجرة
ونصح النايف خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، بـ"اعتماد برنامج حكومي خاص للحد من التصحر وتداعياته، وإنعاش الزراعة لاسيما أن العراق يحتاج إلى زراعة 15 مليار شجرة، وبالتالي ليس من قدرة أو إمكانية الوزارة تنفيذ ذلك بسبب قلة التخصيصات المالية".
ودعا المتحدث باسم الزراعة، إلى "تفعيل برنامج وطني وبمشاركة جميع الوزارات لتشجير العراق وفق سقوف زمنية محددة إلى جانب تشغيل الآلاف من العاطلين عن العمل لضمان إنجاح المشروع، وبخلاف ذلك فإن الغبار والعواصف الترابية التي تسيطر على أجواء البلاد ستكون ملازمة لطقس العراق".
وأضاف أن "مشروع التشجير يحتاج إلى جهد حكومي استثنائي لمواجهة أزمة التصحر"، مردفاً بالقول: "يمكن اقتطاع ما نسبته 1% من إيرادات جولات التراخيص النفطية وتخصيصه في مجال إنعاش الزراعة وتحديداً تشجير المحافظات الداخلة ضمن مشاريع استثمار جولات التراخيص تلك".
وتابع: "على مجالس المحافظات إعادة الحزام الأخضر إلى سابق عهده والوزارة مستعدة لتقديم الشتلات والبذور والأسمدة واللقاحات"، مبيناً أن "المساحات الزراعية الحالية تقلصت إلى ما نسبته 10% حيث وصلت المساحات الزراعية إلى ما يقارب 7 مليون دونم من أصل 26 مليون دونم صالح للزراعة، وذلك بسبب قلة الاطلاقات المائية وغياب الدعم للفلاح وتقليل التخصيصات المالية، وغياب الاستراتيجيات الخاصة بالقطاع الزراعي وما يقدم أو يطرح من حلول يمكن وصفها بالترقيعية".
وأشار النايف، إلى أن "لدى العراق اليوم أكثر من 18 مليون نخلة من أصل 30 مليوناً أغلبها موزعة على مناطق شاسعة من بغداد ومحافظات بابل وديالى، في حين يحتضر النخيل في محافظة البصرة بسبب قلة المياه وتلوثها".
من جانبه، أكد مصدر حكومي مطلع، أن "أطرافاً سياسية كانت سببا في رفض أو تعطيل مبادرة المملكة العربية السعودية لتشجير صحراء الأنبار من خلال زراعة 16 مليون نخلة وشجرة وتوظيف أكثر من 6 آلاف من العاطلين عن العمل في المشروع الذي ينبثق من (مشروع سعودي لتشجير منطقة الشرق الأوسط والحد من التصحر) عبر زراعة 50 مليون شجرة".
وخص المصدر، وكالة شفق نيوز، بوجود أطراف سياسية متنفذة، لم يسمها، قال إنها "عطلت المشروع بسبب إصرارها على تسلم المبالغ المخصصة للمشروع ويكون التنفيذ في وقت لاحق، الأمر الذي أفلس البلاد من خيرات كثيرة".
وخلص المصدر إلى القول: "التصحر هو محصلة من تراكمات سوء إدارة ملف الزراعة والمياه، إضافة إلى الوضع السياسي والأمني الاستثنائيين المتعاقبين على العراق منذ عقود، والتغيرات المناخية السلبية وظاهرة الاحتباس الحراري".
ويرجح خبراء دوليون حاجة العراق إلى المزيد من التشجير الذي يحقق معادلة الاوكسجين من أجل التحكم بنسب ثاني أوكسيد الكربون، والمساهمة في حفظ المياه في التربة ومنع الجفاف السريع للمصادر المائية كالأنهار.