شفق نيوز/ باتت ظاهرة تحرش الأساتذة والمدرسين بطالباتهم تشكل خطراً كبيراً على مسار العملية التعليمية في البلاد، وهي في ذات الوقت تعتبر من أشد الانتهاكات الأخلاقية والقانونية التي تهدد بيئة التعليم التي تصنف من البيئات الآمنة، حيث يقول مختصون إن التحرش لا يقتصر تأثيره في المؤسسات التعليمية على الضحايا فحسب، بل يمتد ليطال العملية التعليمية بأكملها، لأنه يخلق جواً من الخوف وعدم الأمان يهدد التركيز والدافعية لدى الطلاب، ويؤثر سلباً على أدائهم الأكاديمي.
سلوكيات غريبة
يقول الأستاذ في جامعة ذي قار علي عبدالله، إن "بعض السلوكيات الغريبة عن المجتمع العراقي باتت تطفو على السطح وتأخذ حيزاً كبيرا من حياة المجتمع بشكل عام، والمجتمع الأكاديمي بشكل خاص".
ويضيف عبدالله في حديثه لوكالة شفق نيوز، ان "هذه السلوكيات يمكن تسميتها بما أصبح يعرف بـ(ظاهرة التحرش الأكاديمي)، وهي ظاهرة ليست جديدة بل إن الجديد فيها هو اتساعها وتداولها بشكل علني على وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك جملة من الأسباب التي يمكن عدها رئيسية في ذلك أبرزها الجانب العلمي فكثير من طالبات الكليات ذوات مستوى متدنٍّ علميا ما يجعلها عرضة للمساومة لا أخلاقيا من ضعاف النفوس، إضافة إلى السبب الاقتصادي الصرف فربما كثير من طالبات الكليات لا يحصلن على مصروف كاف مما يدفع بعضهن إلى طريق منحرف".
وتابع ان " السبب الثالث يتمثل بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وشيوع الصور والفيديوهات وغيرها من الوسائل التي تدفع بالشباب إلى محاكاة أبطال الأفلام والمسلسلات وما توفره الكليات من أجواء فيها من الحرية والتغيير ما يكفي لإتباع مثل هذه الأساليب غير الصحيحة"، لافتا إلى أنه "من جانب أخر يمكن القول إن الجامعات والكليات بدأت تمتلئ بالأساتذة غير المؤهلين علميا وأخلاقيا ليكونوا في هذه المرتبة المقدسة وليكونوا آباءُ تربويين حقيقيين، وهكذا تسير الأمور من سيء إلى أسوأ في المستقبل أن بقيت الأمور علي حالها".
الأبعاد النفسية خطيرة
بدوره؛ يبرز الاختصاصي في علم النفس د.هيثم الزبيدي الأسباب التي تؤدي إلى حصول حالات التحرش بين صفوف الأكاديميين العراقيين .
وذكر الزبيدي لوكالة شفق نيوز، " في الحقيقة نسمع في الآونة الأخيرة هنالك تجاوزات من قبل الأساتذة أو رؤساء الأقسام وحتى عمداء أو أي شخص في منصب أخر تبدر من عندهم سلوكيات غير مقبولة سواء كان على مستوى الفرد أو حتى المجتمع وأيضا يتناهى إلى مسامعنا إن هناك تجاوز على الطالبات أو ابتزاز طالبات لمقابل شيء معين والهدف هو غرض جنسي "، مؤكدا إن " الأستاذ هو نخبة المجتمع وقيمة عليا فيه، وارتفاع قيمة المجتمع من ارتفاع شأن الأستاذ الجامعي، وعندما نبحث عن حيثيات هذا الموضوع، فيجب أن نكون منصفين من حيث التشخيص، فإن هكذا حالات هي ليس من طرف واحد فقط، وإنما للطالبة أو للشخص الأخر له دور في وجودها أو في الوصول إلى هذا المستوى من التحرش".
وأضاف، إن " هنالك طالبات لديهن تنافس غير شريف أو غير مقبول فيقمن باللجوء لطريقة غير شرعية أو بأخرى، للأستاذ الجامعي وإغراءه بحيث يحصلن على درجات في المادة الدراسية"، مبينا إن "هذه الأمور تتبع التربية والتنشئة الاجتماعية والأسرة باعتبارها أصغر وحدة حضارية في المجتمع سواء كان من طرف الأستاذ الجامعي أو حتى الطالبة التي هي عماد المستقبل، وإذا تحدثنا عن حالات تحدث هنا وهناك ولدينا عشرات الآلاف من الطلبة ولكن لا تحدث إلا بمستوى حالات نادرة وهذه الحالات النادرة حتما لها أسبابها التي دفعت لهذا الشيء".
وأوضح، إن "الدوافع التي تقودنا إلى مثل هذه الأفعال اللاخلاقية هي أما قدوم الطالبة من بيئة سيئة للغاية، أو حتى الأستاذ الجامعي لا يمتلك قيمة الأستاذ الجامعي وهنا الخطأ يتحمله الطرفين وليس طرف واحد", مضيفاً إن " هناك أبعاد هذه المواضيع خطيرة ومؤلمة وحساسة لأنه في كل مجتمع هناك عمادين (القانون والتعليم) إذا أخفقنا في واحد لا يمكن للآخر إكمال المسيرة، ولذلك يجب أن يكونا هذين العمادين، في انتصاب ومسار صحيح وقابل للتطور، لكي نصل ونواكب تطورات المجتمعي".
العلاج
وتابع الزبيدي، أنه "يجب أن تكون هناك رقابة شديدة على الطالبات أو على الأستاذ الجامعي ومتابعة يومية مستمرة، وتكون هناك تقنينات أخرى وفقاً لتدريس المادة، والتشديد على متابعات الطالبات، لأن الملاحظ حاليا هو انفلات بكل شيء، الزي والماكياج وغيرها من الأمور، فهذه الأمور عندما يكون لها حدود معينة تحد من هذه الحالات اللي تجاوز على الذات والمجتمع والعكس"، موضحا إن " الأستاذ الجامعي ربما ينزلق لهذه الأمور بسبب إغراءات معينة، فيجب أن تكون هناك متابعة، ويجب إدخال الأساتذة دورات معينة وخاصة من حديثي التدريس، وهناك حكمة تقول من أمن العقاب أساء الأدب ويجب تطبيق هذه القاعدة ضد الكل وبلا استثناء في مثل هكذا حالات، لذا يجب على الأستاذ الجامعي الالتزام بالحدود وعدم إعطاء مجال لأي شخص أخر".
العقوبات رادعة
من ناحيته؛ أبرز الخبيران القانونيان، احمد العبادي ومحمدعلي عبدالحسين، العقوبات الرادعة التي يواجه بها القانون هذه الأفعال اللاخلاقية في بيئة التعليم.
وذكر العبادي وعبدالحسين لوكالة شفق نيوز؛ إن "ظاهرة التحرش لدى المدرسين او أساتذة الجامعات يعاقب عليها قانون العقوبات وفق المادة (400) في حالة ارتكاب الأستاذ الجامعي فعلا مخلاً بالحياء باتجاه طالب أو طالبة وعقوبتها مدة لا تزيد عن سنة واحدة وكذلك هناك المادة 402 في حالة قيام الأستاذ الجامعي أو المدرس باموراً مخلة بالآداب العامة بعقوبة مدة لمدة لا تزيد على 3 أشهر، إضافة إلى إن محاكم الجنايات باتت تطبق أحكام قرار مجلس قيادة الثورة المنحل 160 لسنة 1983 في مثل هكذا أفعال تسيء للعملية التعليمية والتربوية".
وبين الخبيران؛ أن "القانون لم يقتصر فقط على العقوبة الجزائية في هذه الجرائم، وإنما استتبعها بعقوبات إدارية كسحب اليد من الوظيفة أثناء التحقيق مع صاحب الفعل ألجرمي، والعزل من الوظيفة في حال ثبوت الجريمة وتمت المصادقة على قرار العقوبة".
وشهدت الساحة التعليمية في الجامعات العراقية العام الحالي تسجيل 3 حالات تحرش بالطالبات الجامعيات وابتزازهن بشرفهن، فيما اصدر القضاء العراقي عقوبات جنائية رادعة بحق اثنين من مرتكبيها، فيما يواصل التحقيق بالقضية الثالثة.