شفق نيوز/ في ظل الصراع السياسي المتأزم في العراق، عاودت بعض الأطراف السياسية استخدام مصطلح "التبعية" ضد خصومها، في إشارة إلى أن ولائهم ليس للوطن ويجب ترحيلهم، دون الأخذ بنظر الاعتبار ما يمثله هذا المصطلح من مأساة لمئات الآلاف من العراقيين إبان حكم النظام السابق، وما عانوه من ترحيل قسري إلى خارج البلاد، فضلا عن مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
ونفذّ نظام البعث في العراق اضطهاداً ممنهجاً ضد الكورد الفيليين، أدى إلى ترحيل مئات الآلاف ونفيهم خارج العراق، فضلاً عن قتل وتغييب ما لا يقل عن 15 ألفاً من دون العثور على رفاتهم، إلى جانب إسقاط الجنسية العراقية عنهم، بحجة أنهم من التبعيّة الإيرانية.
1.3 مليون شخص قضوا في سجون النظام السابق
وتشير تقديرات حكومية إلى أن أعداد المفقودين بين العامين 1980 و1990، بلغت نحو 1,3 مليون شخص، بين من أُعدم أو فارق الحياة في السجون، وآخرون مغيّبون، وفي عام 2011، صوت مجلس النواب العراقي على الاعتراف بأن ما جرى على الكورد الفيليين "إبادة جماعية".
ومرّت عمليات التهجير بمراحل عديدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، "وكانت تطال بعض الأسر الفيلية، لكن عملية التهجير الكبرى حدثت في نيسان عام 1980، فقد كانت أكبر وأوسع عملية تهجير بحق أبناء هذا الكون، والتي راح ضحيتها 21 ألف شاب كوردي فيلي بين مُغيّب وشهيد، ولم يتم العثور على رفاتهم إلى اليوم"، بحسب الناشط المدني، ياسر القطبي.
ويضيف القطبي لوكالة شفق نيوز، "كذلك تهجير 500 ألف كوردي فيلي من نساء ومسنين وأطفال إلى إيران، دون سبب واضح أو عذر مقبول"، مؤكدا أن هذه الأرقام مثبّتة لدى الأمم المتحدة.
ويتابع الناشط "وبعد سقوط النظام السابق وعودة البعض من أبناء هذا المكوّن إلى بلدهم العراق، لم يتسلموا حقوقهم كافة، وكذلك لم تُعاد إليهم ممتلكاتهم المُصادرة، فيما تتحدث بين فترة وأخرى بعض الأصوات النشاز التي تحاول المساس بهذا المكوّن العراقي الكوردي الفيلي".
جذور "التبعية"
وتعود أصل فكرة "التبعيّة"، بحسب المحلل السياسي، علي البيدر، إلى أنها "كانت إحدى الوسائل التي تهرّبت منها بعض العشائر والأُسر من الخدمة في الجيش العثماني، وهذه حيل دائماً ما يستخدمها العراقيون في التجاوز على بعض التعليمات والقوانين، فجعلت تبعيتها لإيران، وكانت ظاهرة منتشرة في المجتمع العراقي وخاصة في الأماكن الريفية".
وأردف بالقول "حتى أن بعض الأسر قامت بتسمية أبنائها الذكور بأسماء قريبة من الاناث أو تغيير أسمائهم بين فترة وأخرى أو تقوم بتسجيلهم بقوائم المتوفين، لكي لا يلتحقوا بالخدمة العسكرية، فكانت إحدى وسائل التحايل، وهذه قصة معروفة".
أما بالنسبة للتعامل مع هذا الملف، فيوضح البيدر لوكالة شفق نيوز، أن "الكورد الفيليين هم عراقيون، خسروا بسبب تفسير هذه الفكرة من قبل النظام السابق الكثير، حيث أُبعدوا وأُقصوا من بيوتهم، لذلك اليوم يجب ألّا نكرر الخطأ نفسه، في التعامل مع مختلف الفئات، أو نجزّأ الوطنية على حساب الهويات الفرعية".
ويشدد البيدر على أن "العراقي هو الشخص الأكثر انتماءً وولاءً لوطنه، بغض النظر عن جنسه ودينه وقوميته وطائفته وعرقه ومنطقته، فأبرز ما يميز العراق والعراقيين أنهم متعدّدو أو متنوّعو التوجّه، وهذه إحدى سمات البلاد، فهناك كورد وعرب وسنة وشيعة ومسيحيون و إيزيديون وتركمان وغيرهم".
ويتابع المحلل السياسي، أن "الهوية العراقية يجب أن تكون على أساس ما يقدمه الشخص لبلده، فإذا كان خائناً للوطن لا يهم أي كان انتماؤه عربياً أم كورديا، أمّا إذا كان مواطناً صالحاً ولاؤه للعراق، وقدّم من الخير الكثير لبلده، فيجب أن يكون عراقياً".
مسلسل الظلم متواصل
ويشير البيدر، إلى أن "الكورد الفيليين لم ينصفوا من كل الحكومات التي جاءت بعد عام 2003، ويُفترض أن يكون لهم قانوناً لحمايتهم ورعايتهم والاهتمام بهم وتمييزهم، فنحن نتحدث عن مئات الآلاف من العراقيين الذين عانوا ولم يتم احتوائهم، وقسم منهم ما يزال يعاني في سبيل الحصول على الجنسية العراقية، وذنبهم الوحيد أنهم ينتمون إلى فئة معينة فسّرتها السلطة السابقة على أساس أنها فئة غير مرحّب بها".
وتابع، "لذلك يجب احترام جميع العراقيين على اختلاف عناوينهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم وهوياتهم، أما أن تشكّل تلك الهويات الفرعية صبغة يتم التعامل على أساسها فهذا أمر مرفوض، وسوف يقود البلاد إلى خلق فجوة في الانتماء، وتبدأ بعض العُقد التي من الممكن أن تُساهم في التأثير على انتماء الآخرين أو ولائهم وما يقدمون للوطن".
القانون أصل المشكلة
ويرى مراقبون أن قانون الجنسية العراقي رقم 42 لسنة 1924 وتعديلاته المتتالية، هو الأصل في المشكلة، حيث "يُصنّف المواطنيين العراقيين الى تبعيات عثمانية وإيرانية وباكستانية وهندية، وهذا إحجاف بحق العراق كدولة، وشعبه العراقي"، بحسب الكاتب عبد الصمد أسد.
ويشير أسد، في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن الموضوع المثار حاليا هو "طائفي وعنصري وانتخابي بامتياز"، لتقليل نسبة الشيعة من الناحية المذهبية وكذلك الكورد من الناحية القومية، مستغرباً من أن "يقتصر التهجير على صنف التبعيّة الإيرانية في كل هزّة سياسية بين العراق وإيران، ولا يمسُّ ذلك الفعل صنف التبعيّة العثمانية، رغم احتلال وقصف الأراضي وقطع المياه عن العراق من قبل تركيا".
ويعود قرار ترحيل الكورد الفيليين إلى "قرار ارتجالي" أصدره النظام السابق، وكان ينص القرار التشريعي 666 على "إسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي من أصل أجنبي، إذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب وللأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة، وأُصدر كردّ فعل لما حدث في ذلك الوقت"، بحسب الخبير القانوني، واثق الزبير.
ويضيف الزبير لوكالة شفق نيوز، "أما حاليا، فإصدار قرار من هذا النوع، يجب يكون عبر مجلس النواب، وينشر بالجريدة الرسمية".