شفق نيوز/ تفاجأ مستخدمو تطبيق "تيك توك" في العراق بقرار "لا يُفهم مغزاه" بإيقاف الحوالات المالية لوكلاء الشركة داخل البلاد، فيما يؤكد مراقبون أن وسائل التواصل أصبحت إحدى مصادر الدخل لبعض الأشخاص ما يتطلب النظر بعين واعية ومرنة تُنظم العمل المالي والتجاري والإعلاني لهذه التطبيقات، وتحدد المقبول منه وغير المقبول، بدل حظر التعامل المالي والتجاري بشكل كامل.
ووجه البنك المركزي العراقي، اليوم الأحد، المصارف المجازة كافة، والمؤسسات غير المصرفية في العراق، بإيقاف الحوالات المالية الواردة والصادرة لوكلاء شركة (تيك توك) داخل العراق، بناءً على كتاب من وزارة الاتصالات العراقية.
لا تأثير على المستخدمين
وتعليقاً على هذا القرار، يقول وكيل "تيك توك" في العراق، محمد سمير اللامي، إن "القرار سوف يؤثر عليّ فقط، أما الأشخاص الذين يفتحون بثوث مباشرة على تيك توك، فإن الأموال تذهب إلى محفظتهم الشخصية في التطبيق، ولديهم أكثر من طريقة لسحب الأموال منها (البايونير) و(موني جرام) والحساب البنكي، كما يمكنهم السحب حتى من خارج العراق، لذلك لن يتأثروا بالقرار".
ويوضح اللامي لوكالة شفق نيوز، أن "الراتب الذي استلمه هو يتم بطرق رسمية عن طريق البنوك العراقية، ويقتصر عملي على حل المشاكل التي تواجه مستخدمي التطبيق، أما أموالهم فهي ليست من مهامي، ولا استلم أو أسلم أي أموال"، وعن مصير راتبه بعد هذا القرار، يكشف اللامي، أن "تعاملي المستقبلي سيكون مع بنك إماراتي وبالتالي لن يكون للقرار تأثير على راتبي أيضاً".
تنظيم العمل بدل الحظر الكامل
من جهته، يقول الباحث والمختص بالجانب المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، إن "العراق لا يمتلك فروعاً من شركات السوشيال ميديا العالمية بسبب ضعف التنسيق معها، ما يجعل هذا الشركات تعمل عن طريق وكلاء لها، وعلى الأغلب هي مكاتب عامة ولا تحمل صفة التطبيقات".
ويرى حنتوش خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "حظر الحوالات من وإلى وكلاء أحد التطبيقات هو بمثابة (حظر التعاملات المالية والتجارية) الناتجة من إعلانات أو الترويج عبر هذا التطبيق، وهكذا إجراء يتم بالعادة بطلب من الجهة القطاعية (وزارة الاتصالات أو هيئة الإعلام والاتصالات)".
ويؤكد حنتوش، أن "من الناحية المالية، يُفضل تنظيم العمل المالي والتجاري والإعلاني لهذه التطبيقات وتحديد المقبول منه وغير المقبول، بدل حظر التعامل المالي والتجاري بشكل كامل، لأن تطبيقات السوشيال ميديا أصبحت تمثل سوقاً إلكترونية للبضائع، وأي خلل في تعاملاتها سيوقف نشاطات تجارية بملايين الدولارات".
مصادر دخل لبعض المستخدمين
بدورها، ترى الباحثة الاجتماعية، أمل الكباشي، أن "وسائل التواصل أصبحت إحدى مصادر الدخل لبعض المستخدمين، لكن بعضهم يطرح مواضيعاً وقضايا تافهة وأحياناً لا أخلاقية فضلاً عن الألفاظ النابية لزيادة المتابعين".
وتضيف الكباشي لوكالة شفق نيوز، أن "المستوى الثقافي لبعض التيكتوكرية متدنٍ، وهذا أثر على طبيعة الطرح والثقافة العامة للمجتمع، وبالتالي يلاحظ وجود الملايين المتابعين لتيكتوكرية لا يمتلكون أي معرفة أو وعي".
وتستدرك بالقول، "لكن ينبغي النظر بعين واعية ومرنة ونضع بالحسبان هؤلاء الذين أصبح لديهم متابعين، حيث إن حرمان المجتمع من هذه الخدمات قد يضر به، ما يؤكد الحاجة إلى تقنين هذه الخاصية بشكل يرفع الوعي المجتمعي مع المراقبة والمحاسبة دون التأثير على حرية التعبير".
قرار لا يُفهم مغزاه
من جانبه، يعلّق الخبير القانوني، وليد الشبلي، على قرار إيقاف الحوالات المالية لوكلاء "تيك توك" بأن كتاب البنك المركزي العراقي مقتضب ولا يُفهم مغزاه هل لأسباب فنية أو سياسية أو أمنية".
ويضيف الشبلي لوكالة شفق نيوز، أن "تيك توك تطبيق صيني، والصراع بين الصين والولايات المتحدة يمتد لعقدين من الزمن، وفي ارتفاع كلما تطورت الصين وسيطرت أكثر على الاقتصاد والصناعة والتجارة والأجهزة الإلكترونية، لذلك هناك صراع واضح يتجلى في هذه التطبيقات".
وبناءً على ذلك، يقول الشبلي: "إذا كان القرار خدمة لدولة على حساب أخرى فمن حق الجهة المتضررة بغلق هذه التطبيقات ومنعها من تحويل الأموال إقامة دعوى أمام محكمة البداءة، لأن قانون 6 من قانون المرافعات العراقية يقتضي لكل من يقيم دعوى أن يكون له مصلحة ومركز قانوني".
ويتابع، "أما إذا كان القرار بناءً على أسباب أمنية وسد ثغرة إلكترونية في مجال الأمن السيبراني أو ربما في مجال غسيل الأموال أو تهريبها وما بعد ذلك للفساد والإرهاب وتبييض الأموال، فهذا يدخل ضمن سياسات الدولة"، منوهاً إلى أن "هذا القرار جاء بعد نحو عام من المساعي لحظر التطبيق في العراق".
ويسعى العراق لحجب "تيك توك" التطبيق الأكثر استخداماً بين كل منصات التواصل الاجتماعي الأخرى في البلاد، لمساهمته في "تفكك" النسيج المجتمعي العراقي، وفق ما قالته وزيرة الاتصالات هيام الياسري.
وقالت الياسري في تصريح لوكالة شفق نيوز، خلال مؤتمر صحفي، في آذار 2024، إن "وزارة الاتصالات قدمت طلباً إلى مجلس الوزراء لحجب تطبيق التيك توك كونه ساهم بشكل كبير في تفكك النسيج المجتمعي العراقي وكونه لا يحتوي على فائدة علمية وتعليمية وهو مجرد تطبيق للترفيه".
وأضافت أن "حجب التطبيق لا يؤثر على أي مؤسسة أو على التعليم"، موضحة أن "حجب تطبيق تيك توك ليس قراراً بيد وزارة الاتصالات بل يجب أن يصدر من مجلس النواب أو مجلس الوزراء".
وتابعت الياسري أن "الكثير من الدول قامت بحجب تيك توك وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى كندا ودول أخرى".
عدد المستخدمين
وكان عدد مستخدمي تطبيق "تيك توك" في العراق، قد ارتفع إلى 31.95 مليون مستخدم هذا العام بعد أن كان يبلغ 23.88 مليون مستخدم العام الماضي، متفوقاً على كل مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى مثل فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب، في بلد يبلغ تعداد سكانه 43.5 مليون نسمة.
وأثار إعلان الياسري بحجب التطبيق، الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض له، حيث يرى البعض أن الترفيه مطلوب، ولا يمكن غلق المواقع والمنصات، متسائلين عمّا إذا كان سيتبعه حظر لتطبيقات أخرى، في حين يرى آخرون، أن التطبيق ينشر الكثير من الآثار السلبية عن طريق بث مقاطع تخدش الذوق العام.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا أصدرت في 14 آذار/مارس الماضي، قراراً بشأن حجب المواقع وشبكات الإنترنت وتطبيقات التواصل الإلكتروني التي تتضمن صناعة ونشر المقاطع المخلة بالأخلاق والآداب والمحتوى الهابط الذي يخدش الحياء والتجاوز بحق الذات الإلهية وحرمة الكتب المقدسة والتجاوز بحق الأنبياء والرسل والرموز الدينية والإساءة للأديان والمذاهب والترويج والنشر للفسق والفجور والبغاء والشذوذ الجنسي والتعرض للآخرين والإساءة إليهم.
ومنذ نحو عام تواصل السلطات العراقية شن حملات موسعة لتصفية من تصفهم بـ"صُناع المحتوى الهابط" على منصات التواصل الاجتماعي.
وقبل ثلاث سنوات طالبت دعوات شعبية في العراق حجب تطبيق "تيك توك" في البلاد، لكن وزارة الاتصالات أكدت حينئذ أن الأمر بحاجة إلى "قرار حكومي خاص".
حرية التعبير
من جهته، قال رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، الدكتور فاضل الغراوي، إن "حرية الرأي والتعبير في كل التشريعات والدساتير والمواثيق والعهود الدولية تعتبر من الحقوق الأساسية للمواطن، وهذه الحريات مكفولة باعتبارها تمثل حقاً من الحقوق الأساسية التي يجب أن تكون متوفرة لكل البشر".
وأوضح الغراوي في تصريح سابق لوكالة شفق نيوز: "لكن هذه الحريات يجب أن لا تكون مفرطة وتتجاوز على الذوق والنظام والآداب العامة، ورغم أن مواقع التواصل الاجتماعي وجِدت لخدمة البشر وفيها الكثير من الإيجابيات، لكن البعض منها بدأ يخرج عن الذوق والآداب العامة خاصة في استخدام التيك توك بالعراق".
وأكد أن "الحظر الشامل للتطبيق غير صحيح، بل ينبغي تنظيم هذا البرنامج كما في باقي الدول، وهذا التنظيم سيساعد على تشذيب ما ينشر في البرنامج التي لا تتناسب مع الذوق والآداب العامة، لذلك على الحكومة توفير بيئة مناسبة وآمنة ومحمية لممارسة هذا الحق دون حظره".
وكانت حكومات العديد من الدول اتخذت خطوات لحظر أو تقييد تطبيق "تيك توك" الصيني الشهير الذي بات مثار جدل في العديد من دول العالم.
يذكر أن تطبيق مقاطع الفيديو القصيرة "تيك توك" أطلق عام 2016، ليصبح أحد أشهر تطبيقات التواصل الاجتماعي في العالم، إذ شهد التطبيق أكثر من 4.5 مليار عملية تنزيل حول العالم.