شفق نيوز/ رصدت وكالة "الأسوشيتدبرس" الامريكية "النعمة والنقمة" التي يمثلها النفط في العراق، وخصوصا في مدينة البصرة، والذي برغم انه جلب الاستثمارات والاموال الى الخزينة العراقية، إلا انه أبقى الكثيرين محرومين من عوائده بسبب الفساد.
واستهلت الوكالة الأمريكية تقريرها الذي ترجمته وكالة شفق نيوز؛ بالإشارة إلى قصة راغب جاسم (40 سنة) الذي تنير مشاعل الغاز المحترقة سماء الليل وتنشر الدخان في قريته في البصرة ملوثة ملابسه باللون الاسود، مضيفة أن النفط يتم ضخه طوال 24 ساعة يوميا، وهو دليل على وجود ثروات نفطية هائلة في البلد، لكن القليل منه يصل مردوده إلى من وصفهم التقرير بأنهم الناس الأكثر فقرا في العراق.
ولفت التقرير الامريكي؛ الى ان جاسم خسر مدخراته المالية بعدما تم تشخيص إصابته بالسرطان في العام الماضي، وهو مرض يعتقد انه اصابه سبب بسبب انبعاثات الغاز السامة، ما جعله يشعر انه بعد 20 سنة على الغزو للاطاحة بصدام حسين وإعادة صياغة النظام السياسي بوعود الديمقراطية والحرية، بأن لديه رغبة وحيدة بإيجاد وسيلة لكي يغادر حيث قال "ليس هناك مستقبل لأولادي هنا".
واوضح التقرير ان محافظة البصرة، التي تضم معظم احتياطيات النفط في العراق، هي رمز للتفاوتات العميقة التي عانت منها منذ الغزو، وهي تتسبب بحيرة الخبراء والمبعوثين والسكان، إذ كيف يمكن لمحافظة مستقرة نسبيا وغنية بالموارد أن تصنف بين أفقر وأقل نموا في العراق؟
ونقل التقرير عن جاسم قوله وهو يكرر وجهة نظر واسعة في المنطقة قال "احمّل المسؤولية للحكومة العراقية الفاسدة، وألوم الأمريكيين ايضا لانهم لقد استبدلوا قادتنا باللصوص".
وذكر التقرير؛ أن الاحتياطيات النفطية نعمة ونقمة في الوقت نفسه، حيث يقول مسؤولون في المحافظة أن الموارد حققت الثروة الا انها ادت ايضا الى نشوب صراع شرس بين النخب السياسية والجماعات المسلحة على حساب الشعب، مشيرا إلى أن نظام تقاسم السلطة على اسس عرقية وطائفية، يمتص الثروة النفطية وسط الفساد والمحسوبية، مضيفا انه "كلما ارتفع سعر النفط، أصبح هذا النظام أكثر رسوخا حيث تطالب الاحزاب الطائفية بمناصب وزارية تجني لها الأرباح، وتعين المؤيدين لها في المناصب الرئيسية وتوزع الوظائف العامة".
وبحسب صندوق النقد الدولي، فقد تضاعف التوظيف في القطاع العام ثلاث مرات من العام 2004 الى العام 2013، وفي المقابل فإن توفير الخدمات في قطاعات الصحة والتعليم والطاقة، لا يكفي. وبالاضافة الى ذلك، فانه الى جانب الاخفاق في عمل المؤسسات، فإن تلوث الهواء الواسع في البصرة، ومستويات الملوحة الناتجة عن أزمة المياه الحادة، تعتبر من الأسباب الرئيسية للأمراض، كما أن البطالة المتفشية، تطال أكثر من نصف السكان من الشباب.
وبعد اندلاع احتجاجات شعبية غاضبة العام 2018 ثم في 2019، ذكر التقرير ان حملة سريعة شنتها قوات الأمن وعمليات اغتيال من جانب الجماعات المسلحة، أثارت مناخا من الخوف. ونقل التقرير عن الناشط في البصرة عمار سرحان قوله إن "القتل أسكت العديد من النشطاء.. والعمل يستمر كالمعتاد".
وبرغم أن التقرير اشار الى ان الاطاحة بنظام صدام، ادخل العراق الغني بالنفط في الاقتصاد العالمي فاتحا الابواب أمام الاستثمار الأجنبي، وأن المخططين للحرب تصوروا حدوث إصلاحات من شأنها تجديد صناعة النفط وتمويل إعادة الإعمار بعد الحرب، الا انه بدلا من ذلك، عرقل العنف إنتاج النفط لسنوات.
لكنه لفت إلى أن "الهجوم الساحر" الذي شنه وزير النفط آنذاك حسين الشهرستاني فتح الطريق أمام إبرام عقود نفط كبرى في عامي 2007 و 2009، مضيفا أن الصادرات حاليا تصل إلى أكثر من 3 ملايين برميل يوميا، أي ضعف ما كان عليه المعدل في أوائل العقد الأول من القرن الـ21.
وبرغم ان ميزانية الدولة وصلت في العام 2021 الى 90 مليار دولار، والتي يتم تمويلها بالكامل تقريبا من عائدات النفط، إلا ان الحكومة فشلت في تقديم الخدمات الأساسية، بما في ذلك قطاعي المياه والكهرباء.
واوضح التقرير ان الوضع في البصرة يعتبر من بين الأسوأ في العراق، حيث تبلغ نسبة البطالة 21٪، وهي أعلى من المتوسط المسجل على المستوى الوطني البالغ 16٪ وفقا لإحصاءات منظمة العمل الدولية في العام 2022، وذلك في وقت تمتلك المحافظة حوالي 70٪ من الطاقة لإنتاج النفط في البلد.
ونقل التقرير عن جاسم أنه كان شابا مفتونا بخطاب إدارة الرئيس جورج بوش في العام 2003 حول بناء عراق ديمقراطي. ويتذكر جاسم تلك المرحلة قائلا "كنا مليئين بالأمل"، لكنه الآن بعدما أصبح في منتصف العمر أصبح متعبا من الفساد المستشري ويعاني من مرض السرطان، واستخدم القرض الذي حصل عليه لبناء منزل لدفع 30 ألف دولار، من أجل تسديد قيمة فواتير طبية، مشيرا إلى أن مستشفيات البصرة العامة متهالكة ومكتظة وليست قادرة على توفير العلاج له.
وينقل التقرير عن رئيس بلدية قرية نهران عمر بشير جابر قوله إن كل عائلة في القرية لديها قصة مرض وديون، مشيرا إلى أن القرية التي يبلغ عدد سكانها ألفي شخص ترتفع فيها معدلات الإصابة بالسرطان حيث تقع القرية بالقرب من حقل نفطي تديره الدولة. وقال جابر انه "بعد العام 2003 ، تم تصدير كميات أكبر من النفط، وتوقعنا الاستفادة من ذلك، وبدلا من ذلك فإنه يؤذينا".
واشار التقرير الى ان قضية نهران عمر تسلط الضوء على مفارقة مأساوية اذ ان الغاز الطبيعي الذي يحترق من حقول، اذا تم الاستفادة منه، فقد يكون حلا لمشكلة النقص المستمر في الكهرباء ويحد أيضا من التلوث.
كما تناول التقرير الأمريكي قصة الشيخ محمد الزيداوي الذي يقود تجمعا لشيوخ العشائر في الجنوب، ونقل عنه قوله ان دخول المستثمرين الأجانب عزز من حدة التنافس بين العشائر التي غالبا ما يكون لديها نفوذ أكبر من المؤسسات الحكومية في الجنوب، حيث تمارس الضغوط على الشركات الأجنبية من أجل الوظائف والتعويض وتدريب الشباب وتطوير قراهم. وقال إن معظم المشكلات بين العشائر حاليا والتي تتحول احيانا الى نزاعات مسلحة، "سببها وجود شركات النفط، فالكل يريد الاستفادة".
ترجمة: وكالة شفق نيوز