شفق نيوز/ لا حل في الأفق لمشكلة "القرن" كما يصفها العراقيون، "أزمة الكهرباء" وعلى الرغم من صرف المليارات من الدولارات وإطلاق عشرات التعهدات لم يجد أي وزير "الحل".
عشرة وزراء توالوا على هذه الوزارة ابتداء من وزيرها الأول بعد عام 2003 ايهم السامرائي والذي انتهى به الأمر إلى السجن وتهريبه الى خارج العراق وانتهاء بالوزير الحالي ماجد حنتوش علي والذي ما يزال بعيدا عن الواقع بالرغم من تعهداته الاخيرة بتحسين الكهرباء وزيادة التجهيز في فصل الصيف.
واقع مرير لمنظومة كهرباء باتت عصية على كل الحكومات التي توالت على العراق ليتم استخدام هذا الملف في كل الانتخابات كورقة انتخابية لتعهدات سرعان ما تتلاشى مع حصول المناصب حسب قول المتخصصين.
الغاز والحرارة والإرهاب
لعل أكثر ما تبرر وزارة الكهرباء عجزها عن تطوير المنظومة الكهربائية وتجهيز المواطنين بالطاقة الكهربائية هو قلة الغاز المجهز وارتفاع درجات الحرارة والعمليات الإرهابية.
ويقول المتحدث باسم الوزارة احمد موسى لوكالة شفق نيوز، إن "العراق لديه عقود مع الجانب الايراني بتجهيز المحطات الانتاجية الكهربائية بمقدار 50 مليون قدم مكعب من الغاز"، مبينا أن "إيران خفضت تجهيز الغاز ليصل الى 5 ملايين قدم مكعب".
ويضيف أن "انخفاض التجهيز أثر سلبا على إنتاج المنظومة الكهربائية حيث افقد المنظومة ما بين 5 الى 6 الاف ميغا واط وبالتالي انعكس سلبا على ساعات تجهيز الكهرباء".
ويشير موسى إلى أن "ارتفاع درجات الحرارة هي الأخرى عامل آخر في قلة التجهيز نتيجة ارتفاع الطلب على الطاقة، فضلا عن عمليات الإرهاب التي تستهدف شبكات التوزيع والابراج بين الحين والآخر".
وعلى الرغم من مساعي وزارة الكهرباء العراقية لإيجاد حلول للأزمة من خلال مشاريع الربط الخليجي أو الربط مع مصر والأردن فإن هذه المشاريع لم تدخل حيز التنفيذ بعد، في ظل عدم الانتهاء من عمليات الربط التي وصلت إلى 80% في مشروع الربط الخليجي.
وأرجع المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية في تصريحات صحفية سابقة- سبب تلكؤ الجانب الإيراني في إمداد العراق بالغاز إلى وجود مستحقات مالية للجانب الإيراني، تبلغ مليارين و600 مليون دولار.
ويستورد العراق من ايران الطاقة الكهربائية 1200 ميغا واط عبر اربع خطوط، تشمل خط كرخة- عمارة، وخط (عبادان ـ بصرة) الذي يجهز المنظومة الوطنية بطاقة قدرها 300 ميغاواط، وخط (كرمنشاه ـ ديالى) الذي يجهز المنظومة الوطنية بطاقة قدرها 400 ميغاواط، إضافة الى خط (سربيل زهاب ـ خانقين) الذي يجهز المنظومة الوطنية بطاقة قدرها 100 ميغاواط.
الفساد وعدم وجود الشركات المتخصصة
من جانبه اعتبر عضو لجنة الخدمات النيابية النائب جاسم البخاتي ان الفساد وعدم وجود شركات متخصصة وراء قلة الطاقة في العراق.
وقال البخاتي لوكالة شفق نيوز، إن "غياب الدراسة الحقيقية لمعرفة الحاجة للمواطن العراقي وتغطية المحافظات بصورة كاملة اضافة الى ان الحلول مبنية على تعاقدات مليئة بالفساد وراء قلة الطاقة في العراق".
وتابع بالقول إن "كل وزير تقلد الوزارة ومنذ العام 2003 يعطي الوعود بتحسين الكهرباء الا ان الطاقة في تراجع مستمر"، لافتا الى ان "عدم دخول شركات متخصصة في الكهرباء من الشركات العملاقة كسيمنس وجنرال اليكتريك هو سبب عدم رفع قدرة الطاقة الكهربائية على مستوى البلد كله لغاية الان" .
ويوضح البخاتي ان "هناك تخبطا لدى الدولة في حل ملف الكهرباء فتارة نقوم باستيراد الغاز وتارة نذهب باتجاه الربط الخليجي الا ان كل هذه الامور لم تكن نتائجها ملموسة لدى المواطن".
انعدام التخطيط الاستراتيجي
ويقول الخبير الاقتصادي ضرغام محمد علي لوكالة شفق نيوز، إن "أزمة الكهرباء نتجت عن عدم وجود تخطيط استراتيجي في الوزارة"، مبينا أن "التركيز جرى على قطاع التوليد وبدون تنسيق مع وزارة النفط لتحديد نوعية المحطات المستوردة لتأمين حاجتها من الوقود المتوفر محليا إضافة لعدم مواكبة قطاع النقل والتوزيع مع توسع قطاع التوليد حيث ان تقادم شبكات النقل والتوزيع يضيع 40 بالمئة من الطاقة المتولدة فضلا عن التجاوزات الكبيرة على الشبكة".
ويرى علي أنه "من الأفضل حل وزارة الكهرباء وإحالة مشاريعها للمحافظات والمليارات التي صُرفت لتكون مسؤولية كل محافظة محطاتها وتوليدها وتأمين الوقود وتصرف موازنة الوزارة للمحافظات ضمن بند الطاقة الكهربائية بعد ان عجزت الوزارة عن أداء واجباتها".
حلول ترقيعية
ويقول المواطن امير محمد الحسني لوكالة شفق نيوز، إن "الناس لم تتفاجأ من انعدام شبه تام للكهرباء مع دخولنا لفصل الصيف، حيث انه لم تكن هناك أي حلول حقيقية لاصلاح الكهرباء وانما هي حلول ترقيعية تتلاشى مع ازدياد الطلب على الكهرباء في فصل الصيف".
ويضيف الحسني ان "وزارة الكهرباء كانت أكثر الوزارات تخصيصا لها للأموال خلال السنوات الماضية ولم ينتج عن ذلك أي تحسن في مستوى الطاقة لانه هذه الأموال ذهبت لجيوب الفاسدين ولم تخصص لتطوير الطاقة ".
ويقول المواطن سجاد محمد لوكالة شفق نيوز، إن " كل الدول العالم وحتى الجوار التي بعضها تعتبر فقيرة لا تعاني من نقص الطاقة مثلما يعاني منه العراق بالرغم من التخصيصات المالية الكبيرة التي خصصت لملف الكهرباء"، متوقعا "وجود مافيات تقف وراء منع تحسن الطاقة في العراق".
ويشير محمد إلى أن "الكهرباء هو عصب الاقتصاد وبالتالي فان توقف الكهرباء يعني توقف الحياة والعملية الانتاجية في البلد"، مطالبا "الحكومة والبرلمان الى ايجاد حل سريع لهذه المشكلة التي اصبحت ازلية وعصية على كل الحكومات المتعاقبة".
تظاهرات ليلية
وغالبا ما تشهد عدة محافظات وسط وجنوبي العراق احتجاجات على انقطاع التيار الكهربائي في ظل ارتفاع درجات الحرارة تؤدي في بعض الاحيان الى صدامات مع القوات الامنية.
حيث خرج العشرات من أهالي حي الوحدة جنوب شرقي العاصمة بغداد ليلي يوم الجمعة الماضية بتظاهرة طالبوا فيها بتحسين الواقع الخدمي وتوفير الطاقة الكهربائية ولكن سرعان ما تدخلت القوات الأمنية لتندلع صدامات بين الجانبين.
وقال مراسل وكالة شفق نيوز، إن المتظاهرين الغاضبين في حي الوحدة أضرموا النيران في الإطارات وقطعوا الطرق تعبيرا عن احتجاجهم إزاء النقص الحاصل في الطاقة.
ويعاني العراق نقصاً في إمدادات الطاقة الكهربائية منذ العام 1990 عقب فرض الأمم المتحدة حصارا على العراق، وتفاقمت المشكلة بعد العام 2003، فازدادت ساعات انقطاع الكهرباء إلى نحو عشرين ساعة في اليوم الواحد ما زاد من اعتماد الأهالي على مولدات الطاقة الصغيرة والأهلية.
وتشهد معظم المحافظات العراقية مع دخول شهر رمضان وارتفاع بسيط في درجات الحرارة ازدياد ساعات القطع للطاقة الكهربائية، فيما اتجه المواطنون الى المولدات الاهلية لتعويض النقص في وقت يتساءل المواطن عن قدرة الوزارة في تلبية احتياجات الناس من هذه الطاقة مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير.