شفق نيوز/ شهدت محافظة كربلاء الى جانب محافظات أخرى جنوب البلاد تظاهرات منذ 2015 طالبت بالإصلاح ومحاسبة المتورطين بالفساد، وردّد المتظاهرون شعارات مناوئة للأحزاب الإسلامية من قبيل "باسم الدين سرقونا الحرامية- اللصوص-" في إشارة إلى أن الأحزاب الدينية استغلت الدين للوصول الى السلطة وتحقيق منافع لحسابها وحساب انصارها دون سائر المواطنين الذين انتخبوها.
وتدل هذه المؤشرات بوضوح على تراجع شعبية الأحزاب الاسلامية، حتى أن بعض زعمائها تعرضوا للاعتداء من متظاهرين غاضبين عدة مرات وصاروا لا يجرؤون على الظهور في الاماكن العامة بحرية كما الحال قبل سنوات.
هذه الأحزاب بدأت اليوم حملات انتخابية مبكرة مثل الحضور في مضافات شيوخ العشائر او دعوة هؤلاء الشيوخ الى مقرات الأحزاب نفسها، ولم تسلم هذه اللقاءات الضيقة من الانتقادات الحادة والغاضبة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الأخرى من قبل ناشطين كربلائيين.
وبهدف التقرب مرة أخرى من جمهورها العازف عنها لجأت الأحزاب مؤخرا الى نشر لافتات تحذر من المساس بقدسية المدينة من قبيل الاستماع الى الأغاني في الأماكن العامة او عرض الملابس النسائية أمام واجهات المحال، أو ارتداء الملابس غير المحتشمة من قبل النساء.
لكن هذه اللافتات جاءت بمردودات عكسية حيث استهجنها المواطنون وشن الناشطون حملات ضدها على مواقع التواصل الاجتماعي واعتبروها محاولة فاشلة من قبل الأحزاب الدينية لاستثمار الدين مجددا لأغراض سياسية، وطالبوا الأحزاب التي تدير محافظة كربلاء بتوفير الخدمات ورفع النفايات المتراكمة بدلا من الخوض في مسائل الحلال والحرام.
المقربون من الاحزاب الإسلامية مازالوا يشعرون بالتفاؤل حيال نتائج الانتخابات المقبلة وقال القيادي في حزب الدعوة الإسلامية وعضو مجلس النواب السابق فؤاد الدوركي إن "الشارع في محافظة كربلاء والمناطق الوسطى والجنوبية إسلامي الهوية ولن يفرط بخياراته".
وينتقد المقربون من هذه الاحزاب ما يصفونه "الحملة الظالمة" التي تستهدفهم متهمين العلمانيين والبعثيين بالوقوف وراءها، وينفون سيطرة احزابهم على مقاليد الحكم في البلاد بعد 2003 لأن الحكم كان بالشراكة مع ممثلي جميع أطياف الشعب العراقي.
ويؤكدون ان الأحزاب الإسلامية لو كانت مسيطرة فعلا على مقاليد الحكم لأمكنها تغيير قوانين علمانية سائدة وتمكنت من فرض الحجاب ومنعت تجارة الخمور في البلاد خصوصا في العاصمة بغداد.
ويذهب القيادي في حزب الدعوة إلى أبعد من ذلك فيقول إن "رئيس الوزراء الشيعي لم يكن قادرا على تمرير قرار في مجلس الوزراء دون موافقة اعضاء المجلس من المكونات الاخرى".
وعدّ الدوركي أن تحرير الأراضي العراقية من داعش، وتجاوز الأزمة المالية التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة، وما طرأ من تحسن على الأوضاع المعيشية لشريحة واسعة من المواطنين قبل الأزمة المالية، انجازات تمت تحت قيادة قائدين من حزب إسلامي هما المالكي والعبادي.
الناشط المدني رائد العسلي الذي شارك في عدة تظاهرات مطالبة بالإصلاح السياسي ومحاسبة المتورطين بالفساد، في محافظة كربلاء، قال إن ما تعتبره بعض الأحزاب انجازات هي في الحقيقة "إخفاقات" لأن هدر الأموال وفقدان السيطرة على ثلث الأراضي العراقية إنما تمت أيضاً في ظل قيادة الأحزاب الإسلامية ذاتها التي تعتبر نفسها حققت انجازا في تحرير العراق وتخطي الازمة المالية.
تراجع شعبية الأحزاب الإسلامية قد تراه أحزاب أخرى إنجازا يضعه في خانة الأحزاب العلمانية، وخصوصا الحزب الشيوعي العراقي الذي يقول بعض قادته انه الأنظف من بين بقية الأحزاب السياسية التي مارست الحكم في العراق بعد 2003، خصوصا وأنه لم يتول مناصب مهمة وظل بعيدا عن المحاصصة التي تقاسمت فيها الأحزاب المختلفة، المناصب العليا في البلاد منذ 2003.
ويبدي القيادي السابق في الحزب الشيوعي كفاح حسن تفاؤلا كبيرا في إمكانية حصول الحزب على نتائج مهمة في الانتخابات المقبلة، لأن تراجع شعبية الأحزاب الإسلامية، وعدم وجود بديل مؤثر لها في الساحة السياسية العراقية يجعلان من الحزب الشيوعي العراقي الأوفر حظا في تحقيق فوز ملحوظ في الانتخابات.
وقال كفاح إن "الحزب الشيوعي يمتلك تاريخا كبيرا وسمعة طيبة وسيحصل على نتائج جيدة في الانتخابات شريطة خوضها مستقلا بقائمة منفردة دون ان يتحالف مع غيره من الأحزاب التي شاركت في الحكم سابقا".
ولكن ليس هناك ما يشير فعلا إلى ان الأحزاب العلمانية ومنها الحزب الشيوعي تحظى بتأييد واسع من قبل الناخبين، فليس من الضرورة بمكان أن تراجع شعبية الأحزاب الإسلامية يعني حتما صعود شعبية الأحزاب العلمانية، فهذا الأمر لا يمكن التكهن به مسبقا.
وعلى الرغم من أن حركة الاحتجاجات الشعبية في محافظة كربلاء امتدت لفترة ليست قصيرة بعد 2015 إلا أنها لم تفرز تيارا سياسيا يستقطب المطالبين بالإصلاح والرافضين لاستمرار هيمنة الأحزاب الإسلامية، وهو ما يجعل المشهد غامضا إلى حد بعيد ولا يمكن تصوره بسهولة.
وكل ما يمكن توقعه في هذا الإطار أن الناخبين قد لا يشاركون في الانتخابات المقبلة بقوة كما شاركوا في دوراتها السابقة، وهذا لن يغير من الواقع كثيرا لأن أنصار الأحزاب سيوصلونها إلى السلطة مرة أخرى طالما أن الدستور العراقي او القوانين المعنية لم تعين حدا أدنى لنسبة المشاركة في الانتخابات لتوصف بأنها ناجحة او لا.
يضاف إلى ذلك، أن المنظمات الدولية كمجلس الأمن مثلا، لا تملك حق التدخل والطعن بشرعية الانتخابات لمجرد أن نسبة المشاركة فيها متدنية، كما يذهب بعض الرافضين للمشاركة في الانتخابات، حيث تعتبر الانتخابات شأنا داخليا بحتا وللمنظمات الدولية حق المراقبة فيها لا أكثر.
غير أن نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات إذا ما حدثت فعلا، ستثير لغطا سياسيا واعلاميا في الساحة العراقية، وسيُكثر المعارضون من ترديد عبارات التشكيك بحقيقة تمثيل الانتخابات لكل او معظم العراقيين. وهو ما يحذر منه الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية الذي يعتقد أن تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات بشكل كبير سيعني تراجع نسبة التأييد الشعبي للعملية السياسية برمتها، وهو ما يجعل السلطة القادمة في حرج.
ويضيف العرداوي، أن زيادة نسبة الجمهور الغاضب من الاحزاب السياسية قد يجر البلاد الى مشكلات تعكر الأمن والاستقرار، خصوصا وأن الأحزاب لا تملك خطة لإدارة البلاد وحل أزماتها وهو ما يعني أن هذه الأزمات ولاسيما البطالة ستتفاقم على المدى المنظور وربما تسبب الصدام بين الشارع والسلطة.
والى جانب المؤاخذات السياسية والخدمية والاقتصادية التي تُسجل على اداء الأحزاب الإسلامية، هناك من يعتبرها مسؤولة أيضا عن اتساع الإلحاد بين صفوف الشباب الذين فقدوا الثقة بجدوى الدين وهم يشاهدون أحزابا دينية تتورط بالفساد وسوء الإدارة فيما ستكشف الانتخابات المقبلة ان كان الطلاق سيقع فعلا بين الكربلائيين والأحزاب الإسلامية.
niqash