شفق نيوز/ مخالف للدستور، وغير صحيح، وتجاهل تداعياته الاقتصادية والاجتماعية فئة كبيرة من الموظفين الذين يطالبون بزيادة الرواتب لا إنقاصها، وعلى الحكومة إعادة النظر به، هكذا جاءت التعليقات على قرار الاستقطاع من رواتب موظفي الدولة "طوعياً" للتبرع بها إلى غزة ولبنان.

وقرر مجلس الوزراء العراقي في جلسته الاعتيادية السابعة والأربعين المنعقدة في 2024/11/19، الموافقة على استقطاع وزارة المالية 1% من الراتب والمخصصات والراتب التقاعدي لمؤسسات الدولة جميعها تبرعاً طوعياً يودع في حسابات دعم غزة ولبنان بالتساوي أو على وفق الأولويات التي يحددها رئيس مجلس الوزراء.

وفي حال عدم رغبة الموظف أو المتقاعد من التبرع فيتقدم بطلب رسمي إلى الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة يبين فيه عدم رغبته في التبرع ليقوم الوزير أو رئيس الجهة غير المرتبطة بوزارة بالإيعاز لرفع اسمه من قوائم المتبرعين، بحسب وثيقة موقعة من قبل الأمين العام لمجلس الوزراء حميد نعيم.

ولاقى هذا القرار امتعاضاً لدى الكثير من الموظفين، حيث قال الموظف محمد عبد الجبار، إن "الموظفين يطالبون منذ سنوات بتعديل سلم الرواتب ولم يتم تعديلها لغاية الآن، وبعد إن كانت المطالبات بزيادة الرواتب تم إنقصاها في سبيل مساعد الدول الأخرى".

وأضاف عبد الجبار، لوكالة شفق نيوز، أن "القرار رغم أنه غير إجباري، لكن من يرفض عليه تقديم طلب عبر دائرته ومن ثم يحول الطلب إلى الوزارة وبالتالي هي إجراءات معقدة تجبر الموظف على القبول به لتجنب الخوض في المعاملات والكتب الرسمية".

ودعا الموظف، الحكومة إلى "ضرورة إعادة النظر بهذا القرار وعدم المساس برواتب الموظفين وإنما زيادتها وليس الاستقطاع منها، لأن المعيشة صعبة والغلاء مستمر، أما مساعدة الدول الأخرى فإن الحكومة يمكنها تقديم المساعدة والدعم لمن تشاء دون المساس برواتب الموظفين".

هذا وترى المواطنة أم محمد من بغداد، أن "قرار استقطاع 1 بالمائة من رواتب الموظفين يؤثر على الموظف صاحب الراتب القليل وخاصة إذا كان يسكن في الإيجار".

ولفتت السيدة خلال حديثها للوكالة إلى أن "هذه الاستقطاعات بدل أن تكون لدول أخرى، على الحكومة التفكير بالأزمات التي تواجه المواطنين وبالوضع المعيشي لهم، وأن تكون مثل هذه الاستقطاعات على سبيل المثال لإنشاء مجمعات سكنية للفقراء وذوي الدخل المحدود، وحينها لن تواجه هذا الرفض الحالي، أما الدول الأخرى فهي لديها وسائل وطرق للحصول على الأموال منها القروض".

من جهته، ذكر الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد، إنه "على الرغم من أن هذا القرار يحمل أبعاداً إنسانية، إلا أنه تجاهل مراعاة تداعياته الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين في سبيل التوازن بين دعم القضايا الخارجية ومعالجة التحديات المحلية".

وبين عيد، خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "هذا القرار يحمل آثاراً اجتماعية واقتصادية متعددة، على الصعيد الاجتماعي مثلاً، يعزز هذا القرار مفهوم التضامن الإنساني بين الشعوب، حيث يبرز دور العراق في دعم القضايا الإنسانية، وقد يرى الموظف أن المستفيد الوحيد من هذا القرار هي ميليشيا حزب الله لتغطية نفقاتها العسكرية والتسليحية".

وتابع: "لابد من الإشارة الى أن هذا القرار أثار انقساماً بين المواطنين، و قد يشعر معظمهم بأنه عبء إضافي على شريحة تعاني بالفعل من ظروف معيشية صعبة كانت تنتظر بفارغ الصبر التفاتة الدولة لرفع مستويات رواتبهم في ظل الواقع المعيشي المتدهور لفئة كبيرة من موظفي الوزارات العراقية".

وأكد عيد، أن "العراق يواجه تحديات في تحقيق التوازن المالي بسبب الاعتماد المفرط على عائدات النفط وتراجع نمو القطاع غير النفطي، لذا، أي استقطاع إضافي قد يزيد من الضغوط الاقتصادية على الأفراد، ويؤدي إلى انتقادات بشأن أولويات الإنفاق الحكومي، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد المحلي إلى استثمارات تعزز الإنتاجية وفرص العمل".

أما من الناحية القانونية، "فإن الموظف متعاقد مع الدولة بمقدار راتب مقابل تقديم خدمة أو عمل وظيفي، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال التجاوز على رواتب الموظفين مالم تكون هناك موافقة شاملة من قبل الموظف نفسه"، وفق عيد.

بدوره، نبّه الخبير القانوني، محمد جمعة، أن "المادة 28 من الدستور واضحة بأنه لا يمكن فرض أي ضرائب أو رسوم إلا بموجب قانون، والاستقطاع لم يكن قانوناً وإنما بقرار لمجلس الوزراء، ومن أجل تلافي مخالفة هذه المادة الدستورية جعلها مجلس الوزراء تطوعية، بأن على الرافض تقديم طلب اعفائه من الاستقطاع، لكنها بهذه التعليمات أصبحت بحكم الإجبار وليس التطوع".

وقال جمعة، للوكالة، إن "الاستقطاع إذا كان تطوعياً، فإن الطلب يكون من أجل الاستقطاع وليس العكس، لذلك القرار هو بحكم الإجبار ومن الناحية القانونية مخالف للدستور".

واتفق النائب طالب عبد الكريم المعماري، مع ما ذهب إليه محمد جمعة بأن الاستقطاعات "غير صحيحة"، مردفاً: "إذ لا يمكن أن تكون إجبارية ومن ثم على الرافض تقديم طلب إلى الجهة التابع لها، كما أن هذه الطريقة تستغرق وقتاً طويلاً وتشغل الوزارة وكوادرها، وكان من المفترض إنشاء صناديق تبرعات في كل المحافظات ودوائر الدولة، ومن لديه سعة مادية يمكنه التبرع حسب قدرته، فهي من أسمها تبرعات وليست فرضاً".

وأكد المعماري، لوكالة شفق نيوز، أن "أهالي غزة ولبنان هم إخوان أعزاء ومن واجبنا تقديم المساعدة لهم لكن ليس بطريقة إجبارية، حيث إن بعض الموظفين هم بحاجة للراتب خاصة من يعيلون عوائل كبيرة ولديهم أطفالاً، كما أن توفير متطلبات العائلة أولى من اعطاء الأموال حتى للمسجد".

ومنذ بدء الأزمة في لبنان، سارعت بغداد على المستويين الحكومي والخاص، إلى إطلاق حملات إغاثة تشمل مواد غذائية ومحروقات، وأرسلت مئات الأطنان من المساعدات إلى لبنان.

وإلى جانب القرار الحالي باستقطاع واحد بالمئة من رواتب الموظفين، فإن العراق سبق وأن أرسل، قبل اندلاع الحرب، نحو 100 صهريج محمل بالوقود إلى لبنان، في إطار جهود إغاثية لدعم الشعب اللبناني في ظل الأزمات التي يواجهها.

ويُعاني لبنان أصلاً من أزمة محروقات قبل الحرب، بسبب عدم فتح الاعتمادات بالدولار من قبل مصرف لبنان لكي يتم استيراد النفط، ما أدى إلى تراجع التغذية بالكهرباء بنسبة تصل إلى 80٪.