شفق نيوز/ باتت تجارة المخدرات رائجة بشكل كبير في بلاد ما بين النهرين خلال السنوات الأخيرة حتى صارت مصادرتها بمئات الكيلوغرامات من المتاجرين بها وليس بمواد بسيطة، وأمسى الجميع غير بعيدين عن خطرها القاتل.
يأتي هذا في وقت تسعى المنظمات المجتمعية للنهوض بالأفراد من أجل إشاعة روح التفاني لديهم والتوجه لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تهدد النسيج الاجتماعي لدى العوائل بشكل كبير ودعوتهم لاجبار المدمنين عليها بالعلاج.
حياة جديدة
تقول (ع) فتاة عشرينية في العمر، وهي إحدى ضحايا الإدمان على المخدرات، أنا إنسانة عادية ولكن قصتي غير عادية، فقد بدأت اعتاد الإدمان على المخدرات عن طريق إحدى صديقاتي في المدرسة.
تتابع (ع) حديثها لوكالة شفق نيوز، "بعد أن تلقيت المخدرات من صديقتي لأني كنت أعاني من ألم في أحد أسناني بحجة انها تهدأ الألم ولم أدرك أبداً حينها أن شيئاً صغيراً مثل حبة الدواء يمكن أن يكون له مثل هذه الآثار الضخمة على حياتي وبدأت بالحبوب وانتهت مع الكريستال"، مضيفة ان "المخدرات أصبحت هي الحلول التي كنت أبحث عنها في كل وقت ومهما كانت المشكلة، فعندما تناولت المخدرات، تبدأ كل مشاكلي تتلاشى، وتختفي، وقد عشت مع هذا الشعور لمدة ثلاث سنوات".
وتوضح، "كنت طالبة واعدة وكان أهلي يضعون توقعات عظيمة تجاهي، وبالرغم من أني كنت أشعر بالراحة عند تناول المواد المخدرة لكني مع الوقت لم أعد راضية عما أفعل، وهذا أمر شائع عند جميع مدمني المخدرات تقريباً"، مشيرة إلى أن "الشعور بالراحة المؤقتة من الخوف أو القلق أو الاكتئاب هو رد الفعل الطبيعي وقت استخدام المخدر، لكن بعد تعاطيها يتبدل هذا الشعور تماما".
وتضيف (ع)، في حديثها "لم أكن أدرج في البداية أن حياتي بدأت تنحدر، لكن حتى عندما أيقنت أنني أصبحت أدمن تلك المواد، لم أستطيع أن أتوقف، وانتهى مشوار إدماني بترك الدراسة أولًا، ثم الهروب من أهلي على الزواج لإيقاع زوجي في فخ الإدمان معي بحجة الحب ".
وتبين "بعد سنوات من تعاطي المخدرات أثرت على جسدي وعقلي، وقد أصبت بالعديد من التهابات الأنسجة الرخوة المرتبطة باستخدام الحقن غير المعقمة، حتى تم اجهاض حملي مرتين وأصبحت نحيفة للغاية، لم تكن لدي أي علاقات اجتماعية، حتى أمي توقفت عن الاتصال بها، والأهم من ذلك كله ، لقد سئمت من العيش وأردت الموت والانتحار أكثر من مرة"، مؤكدة "في النهاية تم اعتقالي أنا وزوجي وكان ذلك بداية لحياتي الجديدة فقد قررت أن أبتعد تماماً عن الإدمان بعد انتهاء مدة السجن".
حياة جديدة في مركز الحياة للتعافي
يعتبر مركز الحياة للتعافي في محافظة ذي قار، ثالث مركز لمعالجة الحالات النفسية و الادمان من المخدرات في العراق، إذ يوجد في البصرة ردهة تستخدم نظام الحجر وتتبع لمجلس القضاء الاعلى، ويوجد مشفى العطاء في بغداد ويعد العلاج فيه تطوعي لمن يرغب بالذهاب اليه، وفي الناصرية مركز الحياة للتعافي.
ويذكر معاون مدير المركز إبراهيم الصائغ، لوكالة شفق نيوز، ان "مركز الحياة للتعافي في الناصرية عبارة عن ردهة للأمراض النفسية وتحول لمركز متخصص بعلاج الحالات النفسية والإدمان على المخدرات تحت مسمى (مركز الحياة التعافي)، ولكنه ليس مركز متخصص ويتبع لشعبة المراكز الصحية في وزارة الصحة الاتحادية وإنما يخضع لادارة مستشفى الحسين التعليمي ودائرة صحة ذي قار".
واضاف، ان" المركز استقبل قرابة 900 حالة منذ مطلع العام الحالي ولغاية الآن تعاني من الأمراض النفسية، وأكثر من 250 حالة إدمان مخدرات خلال الـ3 أشهر الماضية للمعالجة من الإدمان على المخدرات"، موضحاً ان "المركز استحدث وفقا للمادة 40/1 من قانون مكافحة المخدرات رقم 50 لسنة 2017 التي تنص على أن من يتقدم للعلاج في المؤسسات الصحية وبشكل تطوعي لا يحاسب قانونا، وكذلك هناك التزام سري بعلاج المدمنين ومعلوماتهم وفقا للقانون ذاته في المادة 41".
وأكد الصائغ، أن "غالبية الذين استقبلهم المركز كانوا مع ذويهم، لأن أهل المدمن يساعدون المركز في الاستمرار على علاجه"، مبينا ان "هناك الكثير من الحالات النسائية في الأمراض النفسية تمت معالجتها، لكن في حالات الإدمان على المخدرات لم يتم مراجعتنا لغاية الآن".
وتابع، انه "بالرغم من تبعية المركز لدائرة صحة ذي قار، الا هناك فريق تطوعي ساهم بجلب غالبية مديري الدوائر في ذي قار، وساهم بدعم المركز ماديا ومعنوياً، وهؤلاء يجلبون للمركز ايضا الشباب المدمن على المخدرات من خلال إقناعهم بالقدوم للعلاج في المركز".
واوضح، ان "احتياجات المركز حالياً تتمثل في توسعته واضافة كوادر وظيفية له، وقاعات رياضية وفنية ولكي نبلغ مرحلة المركز المتكامل والنموذجي، فنحن بحاجة لاضافة 80 سرير، كون المركز الحالي يحتوي على 20 سرير".
وفي إطار البروتوكول العلاجي داخل المركز للمدمنين على المخدرات، أكد الصائغ، أن "المتبع في المركز يتمثل بدخول المريض مع المرافق من حدود 10 إلى 15 يوم، ونعتمد بروتوكول قطع المواد المخدرة عنه مع أخذ تعهد بالالتزام بالسلوك الحسن داخل المركز والالتزام بالتعليمات الطبية، فضلا عن انه لا يمكن مغادرة الردهة دون إذن طبي، وبعد خروج المريض من المركز يبقى بتواصل شهري مع المركز لإجراء التحليلات المرضية له، ويبقى على هذه الحالة لمدة من 6 إلى 12 شهرا".
حقوق الإنسان: وأخيراً تحققت رغبتنا
من جانبه، أبدى مكتب مفوضية حقوق الإنسان في المحافظة سعادته الغامرة، بعد تأسيس المركز، مؤكدا أن رغبته تحققت بعد طول عناء.
وذكر مدير المكتب داخل المشرفاوي لوكالة شفق نيوز ان "محافظة ذي قار كبقية المحافظات الجنوبية تعرضت لموجة كبيرة من دخول المخدرات والترويج لها، وكانت هناك مناشدات من قبل الجهات الحكومية والمجتمع المدني ومن ضمن هذه الجهات كان مكتب حقوق الإنسان في المحافظة لإنشاء مركز لغرض معالجة المدمنين على المخدرات، ثم تحققت رغبتنا بإنشاء مركز الحياة للتعافي وأن إدارته (حقوق الإنسان) على تواصل مع المركز لمتابعة حالات المعالجة والشفاء ".
وأضاف، أن "المركز وبالرغم من أن أموره لا تزال بسيطة وتحتاج لجهود استثنائية وكبيرة لديمومة العمل فيه، فإننا بحاجة لجهود حكومية عظيمة لإنجاح هذه الفكرة المهمة على أرض الواقع، حتى نستطيع تلافي ما فاتنا سابقاً وبدء حياة جديدة في معالجة مدمني المخدرات في المحافظة".
وأعلنت قيادة شرطة ذي قار جنوبي العراق مؤخراً، الاطاحة بـ "نظوري والعفيني" وهما أبرز تجار المخدرات في مناطق شمال وجنوب المحافظة.
وأبلغ، مصدر أمني رفيع، وكالة شفق نيوز، أن "عملية نوعية قادها ضباط مكافحة مخدرات الشطرة شمالي محافظة ذي قار انتهت باعتقال تاجر مخدرات يدعى (العفيني) و بحوزته 15 ألف حبة مخدر، كان قادما بها من قلعة سكر"، موضحاً أن "العملية الثانية نفذت في گرمة بني سعيد وانتهت باعتقال تاجر مخدرات آخر يدعى (نظوري) بحوزته كيلو مخدرات من مادة الكريستال".
بدوره عقد قائد عمليات سومر الفريق الركن سعد الحربية، مؤتمراً صحفياً حضرته وكالة شفق نيوز، أكد خلاله المعلومات التي ذكرها المصدر، وبين أن "المواطنين كان لهم أثراً كبيراً في اعتقال تجار المخدرات هؤلاء"، مؤكداً أن ذلك التعاون "ظاهرة رائعة تشير إلى إحساس المواطن بالمسؤولية تجاه الحفاظ على مجتمعه من الانهيار".
وبين أن حربية أن "أعداد المعتقلين من تجار المخدرات منذ مطلع العام الحالي بلغ 742 تاجر مخدرات"، موضحاً أن "هناك تعاوناً لا محدوداً من القضاء العراقي المتمثل باستئناف ذي قار حيث تم الحكم على أكثر من 400 تاجر مخدرات منهم لغاية الآن".