شفق نيوز- بغداد

لم يكن 2025 عاماً عابراً في حياة النساء العراقيات، بل شكل محطة مفصلية اتسمت بتغييرات قانونية مثيرة للانقسام، وتحديات أمنية واجتماعية متراكمة، إلى جانب حضور سياسي وُصف بالضعيف قياساً بحجم القضايا التي تمس النساء بشكل مباشر.

فعلى امتداد العام، برزت ملفات الأحوال الشخصية والعنف الأسري والرقمي والتمكين الاقتصادي، كعناوين كبرى أثقلت كاهل المرأة العراقية وأعادت فتح نقاشات قديمة حول الحقوق والحماية والمشاركة الفاعلة.

وبينما كانت الآمال معقودة على أن يشهد 2025 خطوات عملية لتحسين واقع النساء، كشفت المؤشرات والأرقام عن فجوة واضحة بين الخطاب والممارسة، سواء على مستوى التشريع أو الحماية أو التمثيل السياسي، في وقت لا تزال فيه النساء الفئة الأكثر تضرراً من الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية المتلاحقة.

جدل تشريعي وسياسي

تقول الباحثة المتخصصة في الشأن السياسي آيات مظفر إن "أكبر حدث لامس المرأة العراقية في عام 2025 كان تشريع تعديل قانون الأحوال الشخصية، وما رافقه من قضايا تتعلق بحضانة الأبناء وغيرها"، في إشارة إلى التعديل الذي أتاح الاحتكام إلى الفقه الجعفري، وأُقرت بموجبه المدونة الشرعية، بعد أن صادقت المحكمة الاتحادية العليا على دستوريته استناداً إلى المادة (41) من الدستور.

وترى مظفر خلال حديثها لوكالة شفق نيوز أن هذا التعديل "ترك أثراً عميقاً على النساء"، لا سيما في ظل اعتراض منظمات نسوية وحقوقية اعتبرت القانون تراجعاً عن مبدأ المساواة وتهديداً لحقوق النساء والفتيات، مقابل خطاب سياسي يرى فيه "عدالة دينية" طال انتظارها.

وعن المشاركة السياسية، تشير مظفر إلى أن عام 2025 شهد انتخابات، إلا أن "الأغلب الأعم من المرشحات الفائزات لا يمثلن واجهة حقيقية للمرأة العراقية"، معتبرة أن فشل النساء اللواتي تبنين قضايا المرأة في تحقيق نتائج متقدمة "يعكس ضعف ثقة النساء بنظيراتهن"، وتصف ذلك بأنه "مؤشر خطير يكشف أن دعم النساء للنساء ما يزال في إطار الشعارات أكثر من كونه فعلاً حقيقياً".

عنف تقليدي ورقمي

وتؤكد آيات مظفر أن من أبرز صعوبات عام 2025 "تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة، ليس الجسدي واللفظي فقط، بل أُضيف إليه العنف الرقمي"، مشددة على أن هذا النوع من العنف "يتطلب وقفة جادة وتشريعات حقيقية".

وتدعم الأرقام هذا التشخيص؛ إذ تشير تقارير أممية إلى أن 85% من النساء حول العالم شهدن عنفاً ميسّراً تكنولوجياً، بينما تعرضت 38% منهن له بشكل مباشر، مع تسجيل أعلى المعدلات في منطقة الشرق الأوسط بنسبة وصلت إلى 98%.

وفي العراق، بات الابتزاز الإلكتروني من أخطر أشكال هذا العنف، حيث أعلنت وزارة الداخلية إلقاء القبض على 40 متهماً بقضايا ابتزاز إلكتروني خلال ثلاثة أشهر فقط، فيما تؤكد فرق مجتمعية أن 90% من ضحايا الابتزاز هن فتيات.

وعلى مستوى العنف الأسري، كشفت مديرية الشرطة المجتمعية في تشرين الثاني/نوفمبر 2025 عن تسجيل 1055 حالة عنف ضد النساء خلال عام 2024، تمت معالجة 682 حالة منها، في حين سُجلت 196 حالة تعنيف ضد الرجال، ما يؤكد أن النساء ما زلن الفئة الأكثر تضرراً داخل الأسرة، رغم إعلان الشرطة تسجيل انخفاض نسبي في معدلات العنف مقارنة بالعام السابق.

مطلب المساواة

من جانبها، تقول النائب السابق سوزان منصور إن "مطالب النساء لا تتجاوز المساواة مع الرجل، ولسنا نطالب بأكثر من حقوقه"، مؤكدة أن دور المرأة في السياسة "محوري"، معربة عن أملها في أن يشهد العام المقبل "رئيسات أحزاب من النساء، وربما نساء في رئاسة مجلس الوزراء أو مجلس النواب".

وتشير منصور خلال حديثها لوكالة شفق نيوز إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه النساء، خاصة في المجال السياسي، هو "المجتمع نفسه"، موضحة أن "نسبة الإساءة للنساء أعلى بكثير من تلك الموجهة للرجال"، سواء عبر الخطاب العام أو وسائل التواصل الاجتماعي، ما يشكل عائقاً نفسياً واجتماعياً أمام مشاركتهن.

وترى أن الحل يبدأ من المرأة نفسها، "عليها أن تطالب بحقوقها وتفرض رأيها"، داعية كل امرأة تمتلك الكفاءة والقدرة إلى "الترشح لرئاسة الوزراء أو البرلمان أو رئاسة الجمهورية، وكذلك لقيادة الأحزاب".

هشاشة اجتماعية واقتصادية

بدورها، تؤكد الناشطة المدنية في حقوق المرأة والطفل سهيلة الأعسم أن عام 2025 كان قاسياً على النساء، بسبب "استمرار العنف القائم على النوع الاجتماعي، وزواج القاصرات والزواج القسري، مع ضعف الحماية القانونية والتنفيذية للنساء المعنفات".

وتضيف الأعسم لوكالة شفق نيوز أن "التقاليد والأعراف الاجتماعية والهيمنة الذكورية، قيدت حرية المرأة في التعليم واتخاذ القرار"، فضلاً عن "ضعف التمكين الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة بين النساء، حتى المتعلمات والمتخرجات".

وتشير الأعسم إلى أن نسب تسرب الفتيات من المدارس ما تزال مرتفعة "خوفاً من الشارع والبيئة غير الآمنة"، في وقت لم تشهد فيه البلاد مشاريع استراتيجية حقيقية ترفع من مستوى دخل المرأة أو تعزز إنتاجيتها، وهو ما كانت قد أشارت إليه أيضاً الباحثة آيات مظفر، معتبرة أن غياب هذه المشاريع أفقد النساء الشعور بقيمتهن كعنصر منتج في المجتمع.

وتصف الأعسم في نهاية حديثها تعديل قانون الأحوال الشخصية وإنشاء المدونة الجعفرية بأنه "الطامة الكبرى"، لما له من انعكاسات مباشرة على النساء بمختلف الفئات.