شفق
نيوز- بغداد
في
الذكرى الـ1263 لتأسيس بغداد، العاصمة التي شُيّدت سنة 145هـ/762م على يد الخليفة
العباسي أبي جعفر المنصور، تعود الأسئلة الكبرى عن موقع هذه المدينة اليوم: ما
الذي بقي من مجدها العباسي؟ كيف تغيّر حضورها بين العواصم العالمية؟ وما المنجزات
التي حققتها، وما الذي ما زال ينقصها لتنهض من جديد؟.
وعلى
مدى تاريخها، ورغم ما مرّت به من غزوات واضطرابات تجاوزت العشرين مرة، بقيت بغداد
تنهض لتعود مركزاً للثقافة العربية ومنارة للفكر، وهو إرث ما يزال يحكم صورتها حتى
اليوم.
لكن
الحاضر مختلف، ويحتاج إلى مراجعة عميقة خاصة بعد حرب عام 2003، كما تكشفه شهادات
مسؤولين وخبراء ومفكرين تحدثوا لوكالة شفق نيوز.
بغداد
بعد 2003
ويقول
وكيل وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية فاضل البدراني أن بغداد بعد عام
2003 واجهت "استهدافاً للعمق الحضاري" شمل المتاحف والكنوز التاريخية
والمواقع التراثية، إلى جانب حرق ونهب مؤسساتها الثقافية.
ويضيف
البدراني لوكالة شفق نيوز أن "الدول التي دفعت بعناصر التخريب حاولت جعل
بغداد أسيرة لأطراف خارجية"، لكن المدينة واجهت هذا التحدي وصمدت رغم سنوات
العنف.
ويرى
أن موجات الإرهاب التي اجتاحت العاصمة كانت محاولة لـ"غزو بغداد على طريقة
هولاكو"، عبر القتل والتدمير وترويج صورة لها كمدينة للعنف والموت. إلا أن
بغداد، كما يقول، "استندت إلى ماضيها وعمقها الفكري" وتمكنت من الانتصار
على الإرهاب منذ عام 2017، لتبدأ مرحلة التعافي.
ويشير
البدراني إلى أن استعادة بغداد لبعض مكانتها تجسدت بتتويجها عاصمة للسياحة العربية
لعام 2025 وحصولها على تصويت يجعلها عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2026، نتيجة
امتلاكها مقومات حضارية وثقافية وإنسانية تتوافق مع معايير اليونسكو والمنظمات
الدولية.
ويعدّ
غنى بغداد بالآثار وتنوعها الثقافي وتاريخها الأدبي والفني، من مصادر قوتها التي
تسمح لها بالمنافسة على ألقاب عالمية وإقليمية، رغم التحديات العمرانية والخدمية
التي تواجهها اليوم.
بين
تاريخين
من
جهته يرى السياسي العراقي مثال الآلوسي أن أهمية بغداد ليست سياسية فقط، بل تقوم
أساساً على "بعدها الأدبي والعلمي والإنساني" الذي منحها تاريخاً يتجاوز
دورها كعاصمة لإدارة الدولة.
ويقارن
الآلوسي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز مكانة العواصم اليوم بمعايير حديثة، أهمها
التسامح وحوار الثقافات وقدرة المدن على تعزيز الانتقال السلمي للسلطة.
ويشير
إلى أن قوة بغداد اليوم تُقاس بمدى تأثيرها الإيجابي ثقافياً وفنياً وإنسانياً
داخل العراق وخارجه، وبقدرتها على دعم قيم حقوق الإنسان والسلام والازدهار، وهي
معايير يتطلب تحقيقها تماسكاً سياسياً وأمنياً لم يتحقق على نحو كامل بعد.
مكاسب
وتحديات
بدوره
يصف الأديب والروائي شوقي كريم حسن، بغداد، بأنها ما تزال "عاصمة ذات وزن
رمزي وتاريخي فريد" بعد أكثر من ألف عام على تأسيسها، فهي وريثة الإرث
العباسي الذي لا تملكه أي عاصمة أخرى.
لكن
شوقي يؤكد خلال حديثه مع وكالة شفق نيوز أن حضورها الحالي أصبح إقليمياً أكثر من
كونه عالمياً، رغم ما تمتلكه من طاقة بشرية وثقافية قادرة على النهوض.
ويعدّد
شوقي أبرز منجزات بغداد بعد 2003، ومنها: إعادة بناء مؤسسات الدولة تدريجياً بعد
انهيارها، وتحسن الوضع الأمني بشكل كبير مقارنة بسنوات العنف، وعودة النشاط
الثقافي إلى المتنبي والمسارح والمقاهي والمعارض، وتحسينات في البنية التحتية
كالجسور والشوارع ومشاريع المياه والكهرباء، وتوسع قطاع الاتصالات وعودة النشاط
المدني والاجتماعي.
لكن
مقابل ذلك، يوضح أن العاصمة ما تزال تفتقر إلى: رؤية عمرانية توقف الفوضى
السكانية، ونظام نقل حديث يخفف الأزمة المرورية، وإدارة حضرية مهنية قادرة على
تنفيذ خطط طويلة الأمد بعيداً عن الفساد، وبيئة نظيفة وخدمات مستقرة، وحماية جادة
لما تبقى من تراثها المهدد.
ويصف
شوقي بغداد بأنها تقف "عند مفترق طرق": ماضيها يمنحها شرعية حضارية، لكن
حاضرها معلّق على قرار، ومستقبلها مرهون بإرادة سياسية وإدارية حقيقية.
استعادة
المجد
من
جانبه يركز الخبير الإستراتيجي أحمد الشريفي على البعد القيادي في مستقبل بغداد،
معتبراً أنها مدينة "تبكي قائداً نبيلاً يعيد لها مجدها".
ويرى
الشريفي خلال حديثه لوكالة شفق نيوز أن بغداد التي كانت يوماً حاضرة الدنيا فكرياً
وعمرانياً تحتاج اليوم إلى قراءة جديدة للمستقبل وأدوات عملية لإحياء مكانتها.
ويعتقد
أن العراق والمنطقة كلها بحاجة إلى قيادة تفهم المتغيرات الإقليمية والدولية،
وتستوعب التطور العالمي القائم على الفكر والعقل لا على "السطوة
والسيف".
ويضيف
أن إعادة بناء بغداد كقلب للتوازن الإقليمي والدولي يتطلب قائداً قادراً على تحديث
الرؤى ومواءمة التحولات العالمية مع واقع المدينة.
وخلص
الشريفي إلى القول إن "القيادة هي الأساس؛ فهي التي تبني الإنسان، ومن ثم
تبني الأمم والحضارات".
ويحتفل
العراق سنوياً في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر من كل عام بذكرى تأسيس بغداد، المدينة
التي شُيّدت قبل نحو 1263 عاماً على يد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور.
وقد
استغرق بناؤها ما بين أربع إلى خمس سنوات لتتحول بعد اكتمالها إلى مركز للإشعاع
الثقافي والعلمي في العالم الإسلامي، ودارٍ للسلام والعلم والازدهار.