شفق نيوز- ترجمة خاصة
يتصاعد الجدل في إيران حول كيفية تأمين احتياجات الصناعات الدوائية من المواد المخدرة الأساسية، بعد تقديرات رسمية تشير إلى أن البلاد قد تضطر لإنفاق ما يصل إلى 72 ألف مليار تومان سنويا (أكثر من 600 مليون دولار) لاستيراد الأفيون الخام اللازم لإنتاج أدوية حيوية مثل المورفين والكودايين.
هذا النقاش يأتي بالتزامن مع طرح خطة للسماح بزراعة أنواع محددة من نباتات شقائق النعمان داخل إيران لأغراض دوائية بحتة، وسط مخاوف شعبية من أن تكون تلك الخطوة تمهيدا لزراعة الخشخاش المستخدم تقليديا في إنتاج الأفيون.
المسؤولون الإيرانيون ينفون أي نية لزراعة الخشخاش التقليدي، ويؤكدون أن الحديث يدور عن نوعين من شقائق النعمان هما "أليفرا" و"الشقيق الإيراني"، وهما نباتان لا يمكن استخراج الأفيون منهما عبر التلقيح ولا يصلحان للاستخدام غير المشروع، بل يُستفاد منهما فقط لإنتاج مركبات دوائية مخدرة مثل المورفين والكودايين.
وتشير التقديرات إلى أن حاجة الصناعات الدوائية في إيران تتراوح بين 400 و500 طن من الأفيون سنويا، فيما يرفع بعض المسؤولين الرقم إلى ما بين 700 و1000 طن تبعا للعام وحجم الطلب.
ولسنوات طويلة كانت أغلب هذه الكميات تؤمَّن عبر ما تضبطه الأجهزة الأمنية من شحنات التهريب على الحدود وفي الداخل، بينما كان نحو عشرة في المئة فقط يأتي عن طريق الاستيراد الرسمي. غير أن الانخفاض الحاد في حجم الضبطيات خلال الأعوام الأخيرة جعل هذا النموذج غير قابل للاستمرار.
البيانات المتاحة تظهر تراجعا لافتا في ضبطيات الأفيون في إيران بنسبة تقارب 60 في المئة خلال ثلاث سنوات متتالية: 697 طنا في عام 2022–2023، 612 طنا في 2023–2024، 372 طنا في 2024–2025.
وفي 2 حزيران 2025 أعلن العميد مرتضى ميرزائي ضبط أكثر من 372 طنا من المخدرات خلال الفترة 2024–2025، بينها 209 أطنان فقط من الأفيون، وهو مستوى يقل كثيرا عن متوسط العقدين الماضيين.
كما أوضح المسؤول الأمني حسين ذوالفقاري في 31 آب 2025 أن إجمالي ما ضُبط من الأفيون خلال 2024–2025 لم يتجاوز 220 طنا، أي بانخفاض يقارب 61 في المائة عن المتوسط التاريخي للضبطيات.
وفي 30 تشرين الأول 2025 حذر المسؤول الصحي محمد هاشمي من أن إيران تحتاج سنويا إلى نحو 500 طن من الأفيون الخالص لتصنيع الأدوية المخدرة، مشيرا إلى خطر حدوث نقص دوائي مع استمرار تراجع مصادر المادة الخام، في وقت يقدّر فيه ذوالفقاري الطلب السنوي بما بين 700 و1000 طن.
وبحسب مسؤولين في مكافحة المخدرات، تمتلك إيران حاليا ترخيصا لاستيراد 50 طنا فقط من الأفيون سنويا، وهو رقم أصبح غير كاف بعد التراجع الكبير في الضبطيات داخل البلاد، ما يفرض إما توسيع الاستيراد أو البحث عن بدائل داخلية مقننة.
وإذا جرى احتساب حاجة سنوية لا تقل عن 400 طن، ومع أسعار تتراوح بين 180 و220 ألف تومان للغرام الواحد، فإن الكلفة الإجمالية قد تصل إلى ما بين 72 و80 ألف مليار تومان سنويا، أي عشرات آلاف المليارات من التومانات لتأمين مادة خام واحدة فقط لسوق الأدوية المخدرة.
وبموازاة ذلك، تراجع إنتاج الأفيون في أفغانستان، التي تعد المصدر الرئيسي للأفيون المتجه إلى إيران، ما دفع المهربين إلى خلط المادة بمواد مختلفة، من بينها مركبات تحتوي على الرصاص، الأمر الذي يجعلها غير صالحة للاستخدام الطبي وتشكل خطرا صحيا مباشرا.
وبحسب تقارير رسمية، انخفضت نسبة نقاء الأفيون المضبوط في إيران من نحو 26 في المئة قبل ثماني سنوات إلى 11 في المئة فقط حاليا، ما يعني أن جزءا كبيرا من الكميات المصادرة لا يمكن توجيهه للصناعات الدوائية، حتى لو توافرت من حيث الحجم.
وتُرجع التقارير الإيرانية الأزمة الحالية إلى التحولات الجذرية في سوق الأفيون الأفغاني. فوفق تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أدى الحظر الذي فرضته سلطات طالبان على زراعة الخشخاش إلى انخفاض الإنتاج من نحو 6200 طن عام 2022 إلى 333 طنا فقط عام 2023، أي تراجع بنسبة 95 في المئة تقريبا، مع تقلص المساحات المزروعة من 233 ألف هكتار إلى نحو 10,800 هكتار فقط.
هذا الانخفاض الحاد حرم إيران عمليا من مصدرها الرئيسي للمادة الخام، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى الأفيون الدوائي، وتتعقد فيه طرق التهريب وأساليبه، إضافة إلى التراجع في درجة نقاء الكميات التي تصل عبر الحدود.
يرى خبراء في ملف الدواء ومكافحة المخدرات أن إيران لا تستطيع الاعتماد على خيار واحد فقط في السنوات المقبلة، إذ لا يضمن الاستيراد وحده استقرار الإمدادات مع استمرار تقلبات سوق الأفيون العالمية، كما أن الزراعة الداخلية المقننة لن تكون قادرة على تلبية الطلب كاملا في المدى القصير.
لذلك يوصي هؤلاء بمزج مدروس بين الاستيراد والتوسع التدريجي في الزراعة الطبية الخاضعة للرقابة، مع تطوير آليات شفافة للرقابة على النقاء والتسعير، تفاديا لحدوث فجوات في إمدادات الأدوية المخدرة الأساسية التي يعتمد عليها آلاف المرضى داخل إيران.