شفق نيوز- ترجمة

سلطت مجلة "فوربس" الأميركية الضوء على الصورة الاوسع لمفهوم فشل العراق في تأمين الكهرباء، معتبرة أن السبب يعود لعدم الاستقرار، والبيروقراطية، والتشرذم السياسي.

وذكرت المجلة في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز، أن هذا الملف يتخطى حدود العراق، ويرتبط بمعاناة الدول الخارجة من الحرب والتي تعاني من عدم الاستقرار في سعيها لإعادة بناء أبسط البنى التحتية برغم امتلاكها موارد طبيعية ومالية كبيرة.

وأضافت أن أزمة الكهرباء في العراق ليست مجرد قصة عطل فني، وإنما هي قصة تفاوت في التوقعات، مبينة أن شركة "جنرال الكتريك" الأميركية تعهدت باستعادة الطاقة الانتاجية، بينما وعدت شركة "سيمنز" الالمانية بالمساعدة في بناء دولة، إلا أنهما اصطدمتا بنفس العراقيل: عدم الاستقرار، والبيروقراطية، والتشرذم السياسي.

وبعد الغزو الأميركي في العام 2003، كان هناك خراب في البنية التحتية للكهرباء، حيث دمرت خطوط النقل، وجرى نهب محطات التحويل، وتم تفجير محطات التوليد، وفقا للصحيفة التي أشارت إلى أن الشركات الأجنبية تدخلت لتعبئة هذا الفراغ، في حين أنفقت الحكومة نحو 100 مليار دولار على مشاريع التوليد والنقل والتوزيع، إلا أن الانقطاع في الخدمة الكهربائية هو واقع يومي.

وبحسب التقرير، فإن الطلب الاقصى يتخطى حاليا 40 غيغاواط، بينما نادرا ما يتجاوز التوليد الفعلي 23 غيغاواط، وفقا لوزارة الكهرباء وتقرير معهد "المجلس الاطلسي" للعام 2023 حول قطاع الطاقة في العراق، مضيفا أنه حتى عند إضافة سعة جديدة، فإن خسائر التوزيع الناتجة عن تقادم المعدات والسرقة وسوء الادارة، تستهلك نحو ثلث الكهرباء المولدة.

وتابع قائلا إن "جنرال الكتريك" انخرطت مع العراق من خلال نموذج تقني يركز على المشاريع، مشيرا إلى أن عقودا تجاوزت قيمتها الاجمالية 1.2 مليار دولار، تناولت عمليات تحديث وصيانة لتوربينات الغاز ومحطات التحويل وخطوط النقل، بما في ذلك عقد بقيمة 400 مليون دولار لإعادة بناء 14 محطة كهرباء تحويلية في بغداد والبصرة وكربلاء ومناطق اخرى.

اما "شركة سيمنز"، فقد قال التقرير إنها سلكت نهجا أكثر شمولية، يجمع بين التطوير التقني وتنمية القوى العاملة، ومشاريع الطاقة المستدامة، والهيكلة المالية لمساعدة العراق على الحصول على قروض دولية، إلى جانب اعتماد الشركة مبادرات اجتماعية واقتصادية صغيرة، مثل العيادات الصحية وبرامج التدريب المهني، في خريطة طريقها.

وأوضح أن "شركة سيمنز" استثمرت حوالي 763 مليون دولار في محطات تعمل بالغاز، وتطوير توربينات، ومحطات تحويل جديدة، مؤكدا أن رؤيتها كانت طموحة بحيث إنها لم تقتصر على تأمين الكهرباء فقط، بل شملت أيضا بناء قدرة العراق على إدارتها وصيانتها على المدى الطويل.

ورغم ذلك، أكد التقرير: "واجه كلا النهجين نفس العقبات النظامية، حيث كثيرا ما أدت السياسة والبيروقراطية وضعف المؤسسات إلى تأخير الموافقات وإعادة توجيه الأموال في منتصف المشروع، وحتى عند تركيب التوربينات أو تشغيل محطات الطاقة الفرعية، حال نقص الوقود واختناقات النقل وسوء الإدارة التشغيلية دون تحقيق تحسينات ملموسة في امدادات الكهرباء".

ولفت إلى أن "نظام الكهرباء في العراق ما يزال مجزأ ويعاني من نقص التمويل وعرضة لعدم الاستقرار السياسي"، موضحا أن إعادة بناء نظام الطاقة في العراق لا تقتصر على الحجارة والاسلاك والوقود فقط، وإنما تتعلق أيضا بالحوكمة، وكيفية اتخاذ القرارات وتطبيقها، والقدرة المؤسسية، والمعرفة الفنية والتنسيق من أجل تحويل الخطط الورقية إلى كهرباء في منازل الناس.

وبين التقرير، أن هناك فجوة قائمة بين وعود المقاولين الأجانب وبين الواقع المعيشي للعراقيين، وهو ما يسلط الضوء على حقيقة بسيطة مفادها أنه حتى أفضل الحلول التقنية لا يمكن أن تنجح بلا مؤسسات قادرة على إدارتها.

وذكر أن البعض قد يجادل بأن المقاولين يتحملون المسؤولية، وأنه لو كانت "جنرال الكتريك" أو "سيمنز" أكثر اجتهادا، لربما كانت ازمة الطاقة في العراق قد خفت، إلا أن مثل هذا المنظور يشكل تبسيطا للتحدي القائم بشكل مبالغ فيه.

وأوضح التقرير، أن ضعف الرقابة والجمود السياسي، يعني أنه حتى أكثر الشركاء الاجانب كفاءة ليس بمقدورهم التغلب على اخفاقات الحوكمة.

ومع ذلك، أشار إلى أن المشكلة العميقة تكمن في أن نظام الكهرباء ما يزال يعتمد بشكل شبه كامل على الوقود الاحفوري ويشكل حوالي 99% من طاقته التي تأتي من النفط والغاز الطبيعي، مع نسبة ضئيلة من محطات الطاقة الكهرومائية القديمة.

ورغم أن التقرير ذكر إعلان الحكومة عن هدفها المتمثل بإنتاج 12 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول العام 2030، معظمها من الطاقة الشمسية، إلا أنه أكد أن هذه الخطة تعثرت إلى حد كبير بسبب فجوات التمويل، والنزاعات على الأراضي، والجمود البيروقراطي، رغم البدء بعدد من مشاريع الطاقة الشمسية التجريبية في كربلاء وبابل والبصرة، لكنها برغم ذلك لا تلبي سوى جزء ضئيل من الطلب اليومي.

ونقل التقرير حديث الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز للطاقة كريستيان بروخ: "إن امدادات الطاقة الموثوقة هي أساس مجتمع مستقر، ولذلك يعتبر امداد اجزاء كبيرة من البلد بالكهرباء من أهم المهام".

وخلص التقرير حديثه قائلا إن "انقطاع الكهرباء في العراق ليس فشلا تكنولوجيا، بل انهيارا في التنسيق والحوكمة والثقة"، مشيرا إلى أن "جنرال الكتريك" و"سيمنز" دخلتا إلى العراق بطموحات للمساعدة، إلا أنهما وقعتا في فخ نظام هش لا يمكنهما من الاستمرار.

وختم بالقول إن "الدرس يمتد إلى ما هو أبعد من العراق، حيث إن البنية التحتية لا يمكن أن تتفوق على المؤسسات المسؤولة عن إدارتها، وأنه إلى أن تضيق هذه الفجوة، ستتبدد حتى أفضل الخطط الموضوعة والوعود البراقة".