شفق
نيوز- ترجمة خاصة
يتحمل
حراس الغابات في محافظة كرمانشاه بإيران العبء الثقيل المتمثل في حماية أشجار
البلوط في زاغروس، في حين أن نقص القوى العاملة والمعدات والإهمال ترك هذا التراث
الوطني وحيداً أمام نيران التهديدات.
وتُعد
محافظة كرمانشاه الكوردية، الواقعة على سفوح جبال زاغروس، والمعروفة بغابات البلوط
وتنوعها النباتي وثروتها الحيوانية القيّمة، إحدى المحميات البيئية الفريدة
والحيوية في شرق كوردستان (في إيران).
وتلعب
هذه المنطقة دوراً حاسماً في استدامة النظام البيئي في شرق كوردستان، ليس فقط من
حيث الموارد الطبيعية، بل أيضاً من حيث البيئة والثقافة.
ولكن
الحقيقة التي هي أقل وضوحاً في وسائل الإعلام أو الإحصاءات الرسمية هي أن بقاء
الرأسمال الطبيعي الهائل هذا يرجع، ليس للأمطار الموسمية أو التربة الخصبة؛ بل إلى
مثابرة الرجال الذين يتحملون عبء حماية الطبيعة دون أي ادعاءات: حراس الغابات في
كرمانشاه.
"الحراس
الصامتون"
حراس
الغابات هم "الحراس الصامتون" في الصفوف الأمامية لحماية المناطق
الطبيعية، وجهودهم اليومية ضرورية لبقاء الغابات والمراعي وأنواع الحيوانات.
ورغم
نقص الإمكانيات، يكلَّف هؤلاء المأمورون بدوريات ورصد ومكافحة تدمير الموارد
الطبيعية في أقسى الظروف المناخية وعلى الطرق الوعرة.
ولا
يقتصر واجبهم على التواجد في الغابات والمراعي فحسب، بل يجب عليهم أيضاً مكافحة
تهريب الأخشاب، ومنع الحرائق واسعة النطاق، ومنع الصيد غير المشروع، ومقاومة
التعدي على المناطق الطبيعية. مع أن كل مهمة من هذه المهام تبدو جزءا من الواجبات
الإدارية الحكومية، إلا أنها في الواقع تعني المخاطرة بحياتهم لحماية الممتلكات
الوطنية.
لكن
الواقع المرّ هو أن عدد حراس الغابات في كرمانشاه لا يضاهي مساحة المناطق الطبيعية
في المحافظة؛ اذ تشير الإحصاءات إلى أن كل حارس غابات، في المتوسط، يراقب آلاف
الهكتارات من الغابات والمراعي؛ وهو رقم يجعل، وفقاً للخبراء، الرصد المستمر
والفعال مستحيلاً تقريباً.
ظروف
قاسية
تخيل
شخصاً، بمعداته البسيطة، في حرّ الصيف أو برد الشتاء، مضطراً للسير على مسارات
يصعب حتى على المركبات ذات الدفع الرباعي اجتيازها، لمكافحة ظواهر مثل تهريب
الأخشاب المنظّم أو الحرائق واسعة النطاق.
هذا
النقص في الكوادر، إلى جانب الضغوط المتزايدة على المناطق الطبيعية نتيجة لتغير
المناخ والجفاف والنمو السكاني، جعل عمل حراس الغابات أكثر صعوبة من أي وقت مضى.
وفي
السنوات الأخيرة، كلما وقع حادث مثل حريق غابة البلوط في إحدى مناطق كرمانشاه، كان
أول من يصل إلى قلب الحدث هم هؤلاء المسؤولون عن الموارد الطبيعية أنفسهم؛ أشخاص
كافحوا النيران أحياناً بأيديهم العارية أو بأدواتهم البدائية، دون أدنى معدات أو
دعم للسلامة.
بالطبع،
في السنوات الأخيرة، وضعت مشاريع على جدول الأعمال لتحسين وضع الحماية؛ بدءا من
تحسين المراقبة واستخدام الطائرات بدون طيار لمراقبة الغابات، وصولا إلى تنظيم
دورات تدريبية للمجندين الجدد، والسعي إلى التفاعل مع المجتمعات المحلية لتعزيز
شعور الناس بالمسؤولية تجاه الموارد الطبيعية، لكن الواقع هو أنه لا يمكن تنفيذ أي
من هذه المشاريع بالكامل دون تخصيص تمويل كاف، وسنّ قوانين حماية جادة، وتوفير أطر
قانونية وقضائية.
على
الرغم من دورهم الحيوي، ما يزال حراس الغابات يعانون من نقص الموارد وضعف الحماية
القانونية. وقد واجه العديد منهم تهديدات واشتباكات، بل وحتى أذى جسدياً، أثناء
تأدية مهامهم، دون الحصول على دعم قانوني أو قضائي كاف لحمايتهم. هذا على الرغم من
أن حراس الغابات معترف بهم في العديد من دول العالم كقوات حماية تتمتع بصلاحيات
قانونية واسعة.
ولا
يمكن الحفاظ على الموارد الطبيعية في كرمانشاه دون وجود قوي لحراس الغابات. فهم
ركيزة حماية النظام البيئي في المحافظة، ويعتمد مستقبل غابات البلوط والمراعي
وموائل الحياة البرية على استدامتهم.
وللحفاظ
على هذه الثروة الطبيعية للأجيال القادمة، يجب دعم حراس الغابات ليس فقط بالمعدات
والتمويل، بل أيضاً في المجالين القانوني والاجتماعي.
ويمكن
أن يبدأ هذا الدعم بتوفير سيارات الدوريات ومعدات السلامة المناسبة، ويستمر من
خلال اعتماد قوانين صارمة ضد منتهكي المناطق الطبيعية وتوفير حماية قضائية خاصة
لهؤلاء الرجال.
اليوم،
بات جلياً أن حارس الغابة ليس مجرد موظف بسيط في إدارة الموارد الطبيعية؛ بل هو
حارس تراث قد يعني تدميره فقدان جزء من الهوية الوطنية والبيئية للبلاد.
ومن
المأمول أن يُبنى مستقبل مستدام لطبيعة كرمانشاه الخلابة، من خلال تعزيز قدرات
قوات الحماية ودعم الشعب؛ مستقبل تلقي فيه أشجار البلوط العتيقة بظلالها على
الأرض، وتعيش فيه الطيور والحيوانات في مواطنها الآمنة.
حراس
الغابات الغربية والشمالية
التقرير
نقل عن رئيس قسم التعليم والتوعية في المديرية العامة للموارد الطبيعية وإدارة
مستجمعات المياه في محافظة كرمانشاه، علي حسن زاده، قوله إن محافظة كرمانشاه تتمتع
بمناطق محمية واسعة بفضل موقعها في ثلاث مناطق بيئية مختلفة، هي الغابات والمراعي
والصحراء.
ومع
ذلك، ونظراً لأهمية الغطاء النباتي والتنوع البيولوجي في غابات زاغروس، يتركز معظم
نشاط الحراس في مناطق الغابات في الغرب الأوسط والشمال.
وأضاف
حسن زاده أن غابات زاغروس في كرمانشاه تقع بشكل رئيسي في مناطق مرتفعة يصعب
عبورها، لذلك يجب أن يتمتع حراس الغابات بقوة بدنية عالية والمهارات اللازمة لعبور
المسارات الجبلية.
وتابع
رئيس قسم التعليم والترويج في المديرية العامة للموارد الطبيعية وإدارة مستجمعات
المياه في محافظة كرمانشاه، أن "كل حارس غابات لديه مجموعة متنوعة من
الواجبات، بما في ذلك مكافحة الحرائق الموسمية، ومنع تهريب الأخشاب، ومنع تدمير
أراضي الغابات، وإدارة التوترات المحلية، وإقامة اتصالات فعالة مع المجتمعات
المحلية والعشائرية".
وبحسب
حسن زاده، فإن حماية الغابات والموارد الطبيعية وإدارة حرائق الغابات وتثقيف
وترويج ثقافة حماية الموارد الطبيعية ومراقبة الأنشطة البشرية في الغابات مثل
السياحة والصيد واستغلال الموارد الطبيعية من أهم واجبات حراس الغابات في
المحافظة.
وفي
إشارة إلى الاختلافات بين قطاع الغابات في إيران والدول الأخرى، قال: "تعود
هذه الاختلافات إلى مجموعة من العوامل التاريخية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى
السياسية. ولتحسين ظروف الغابات في البلاد، يجب التركيز على مشاركة المجتمعات
المحلية، واستخدام التقنيات الحديثة، والدعم الجاد لحراس الغابات، وتعزيز التعاون
الدولي وتبادل الخبرات".
تجهيزات الحراس
وأشار
رئيس قسم التعليم والترويج في المديرية العامة للموارد الطبيعية وإدارة مستجمعات
المياه في محافظة كرمانشاه، إلى أن حراس الغابات في هذه المحافظة يواجهون سلسلة من
التحديات المتزامنة والخطيرة، بما في ذلك التوسع في مشاريع التنمية والاستيلاء على
الأراضي، وضعف القوانين الوقائية والمتابعة القضائية، والنقص الحاد في القوى
العاملة والمعدات، والرعي المفرط للثروة الحيوانية ودخول الماشية الفائضة إلى
الغابات والمراعي، والتهريب والحصاد غير المصرح به للخشب والحطب، وقطع أشجار
البلوط لإنتاج الفحم، فضلا عن الحرائق الواسعة النطاق والتي يصعب إخمادها في
الموسم الحار؛ وهي قضايا تجعل حماية الموارد الطبيعية في زاغروس مهمة صعبة للغاية.
واختتم
حديثه مشيراً إلى أنه على الرغم من أن غابات كرمانشاه مجهزة إلى حد ما بأدوات
حديثة مثل أجهزة تحديد المواقع العالمية (GPS) إلا أن التجهيز الكامل لهذه القوات
والاستخدام الواسع النطاق للتقنيات مثل الطائرات بدون طيار ما يزال في مراحل
محدودة وتجريبية، ويتطلب تحقيقها الكامل المزيد من الدعم.
الأيدي
العارية
وتحدث
أحد حراس الغابات في محافظة كرمانشاه، الذي لم يشأ ذكر اسمه، عن الأوقات الصعبة
التي يمر بها المدافعون عن جبال زاغروس، وأكد أنه على الرغم من نقص الإمكانيات،
فإنهم يقفون لحماية غابات البلوط.
ومنذ
البداية، بدأ الحديث باستياء مكبوت "الغابة ليست مجرد مساحة عمل لنا، بل هي
بيتنا. كل شجرة بلوط هي بمثابة فرد من عائلتنا. عندما تصل النيران إلى أجسادها أو
يقطع منشار المهربين جذوعها، نشعر وكأن جزءا منا ينتزع منا".
وتحدث
هذا الحارس، الذي يعمل في مرتفعات جبال زاغروس النائية منذ سنوات، عن صعوبات
الطريق قائلاً "لا يمكن الوصول إلى العديد من مناطق غابات كرمانشاه إلا
بالمشي لمسافات طويلة. لا نملك مركبات مناسبة ولا معدات كافية. عند اندلاع حريق،
نضطر لإخماده بالمجارف والأغصان الخضراء. أُصيب زملائي بحروق عدة مرات، لكنهم ظلوا
صامدين".
وفي
إشارة إلى التهديدات التي يواجهها حراس الغابات، أضاف "لا يقتصر دور حراس
الغابات على حماية الطبيعة فحسب، بل نتعامل أيضاً مع أشخاص مستعدين أحياناً للقتال
معنا ضد مهربي الأخشاب أو الاستيلاء على الأراضي، والغابات هنا لا تقتصر على
الحراسة؛ بل هي تضحية بأرواحنا".
وفي
جزء آخر من الحوار، تحدث حارس الغابات عن تحدي الرعي الجائر "تدخل مئات
الماشية الغابات يوميا. نعلم أن حياة العشائر تعتمد على هذه الماشية، ولكن عندما
تدمر النباتات، لا يبقى شيء للمستقبل. لقد طالبنا مراراً وتكراراً بإيجاد حل يوازن
بين حياة الناس وبقاء الغابة".
واشتكى
هذا الحارس أيضاً من نقص القوى العاملة والمرافق "عدد الحراس قليل جداً،
والمساحة التي نتولى رعايتها شاسعة جداً. أحياناً يضطر شخص واحد لتحمل مسؤولية
آلاف الهكتارات من الغابات. كما أن معداتنا قديمة وغير كافية؛ من المركبات إلى
ملابس السلامة ومعدات إطفاء الحرائق".
واختتم
حديثه قائلاً "رغم كل هذه الصعوبات، فإن حبنا للغابة وجبال زاغروس هو ما
يدفعنا للاستمرار. عندما يهطل المطر على أوراق البلوط أو تهب نسيمات الجبل العليل،
نشعر أن كل هذه المشقة كانت تستحق العناء. نعمل على أمل أن يأتي يوم تستعيد فيه
غابات زاغروس عافيتها، بدلا من أن تدمر".
دعم
الحراس وبقاء زاغروس
إن
حماية الموارد الطبيعية في كرمانشاه ليست مجرد مهمة إدارية، بل هي مهمة حيوية
لحماية مستقبل جبال زاغروس والأجيال القادمة. ورغم النقص الحاد في الكوادر والمعدات
وضعف قوانين الحماية، ما يزال حراس الغابات في المحافظة في طليعة حماية غابات
البلوط والمناطق الطبيعية.
وتظهر
قصصهم أن حراسة الغابات في البلاد ليست مجرد عمل بسيط؛ بل هي جهد شاق للحفاظ على
تراث وطني، وسيكون لتدميره عواقب وخيمة على البيئة وحياة الناس.
وخلص
التقرير إلى إنه، إذا أردنا أن تبقى غابات زاغروس خضراء، وأن يحافظ النظام البيئي
لهذه المنطقة على استدامته، فإن دعم الحراس يجب أن يصبح أولوية بالغة الأهمية.
ولا
يقتصر هذا الدعم على توفير الأدوات والمرافق، بل يتطلب أيضاً تعديل القوانين،
والدعم القضائي، وتشجيع مشاركة المجتمعات المحلية، واستخدام التقنيات الحديثة.
وبهذا النهج فقط، يمكننا أن نأمل أن يسلك الحراس الطريق الصعب، والمليء بالافتخار،
لحماية غابات كرمانشاه بشجاعة أكبر وقدرة أكبر.