شفق نيوز- ترجمة خاصة 

خلص موقع "أركيولوجي نيوز" المتخصص بعلوم الآثار، إلى أن ثورة الزنج الشهيرة التي شهدها العراق قبل أكثر من ألف عام، كانت أكبر مما هو معروف واستمرت لفترة طويلة، وخلقت كارثة أصابت بالشلل اقتصاد البصرة وخلفت أراض زراعية مهجورة على مساحة مئات الكيلومترات. 

وأوضح تقرير الموقع المتخصص، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، أن الانتفاضة الضخمة التي خاضها الزنوج في جنوب العراق، هزت الخلافة العباسية بين عامي 869 و883، مضيفا أن الروايات التي كتبها مؤرخون من العصور الوسطى مثل الطبري والمسعودي، تشير إلى أن ثورة الزنوج خلفت كارثة شلت اقتصاد البصرة وتركت مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية مهجورة. 

وأشار إلى أن الأدلة العلمية الحديثة تلفت الآن إلى أن الزراعة داخل السهول الفيضية لشط العرب، استمرت لفترة أطول بكثير مما كان يعتقد سابقا.

وبحسب التقرير، فإن ثورة الزنج التي قادها علي بن محمد، ضمت مجموعة مختلطة من المتمردين شملت "العبيد" الأفارقة وأيضاً من المزارعين المحليين، حيث أن العبيد كانوا مجبرين على العمل في ظل ظروف قاسية، واستصلاح الأراضي لزراعة قصب السكر واستخراج الملح من التربة.  

ونقل التقرير عن كتاب الطبري الذي يحمل عنوان "تاريخ الرسل والملوك" إشارته إلى أن علي بن محمد، حشد الدعم من خلال التنديد بأصحاب العبيد بسبب قسوتهم، وخاطبهم قائلاً: "أردت أن أقطع رؤوسكم جميعا، بسبب الطريقة التي عاملتم بها هؤلاء العبيد، بغطرسة وإكراه، وبطرق حرّمها الله".

وذكر التقرير أن علماء الآثار ظلوا لفترة طويلة ينسبون الشبكة الضخمة من التلال والقنوات المهجورة عبر السهول الفيضية، إلى هؤلاء العبيد، مشيراً إلى أن هذه المنشآت المائية تمتد على مساحة أكثر من 800 كيلومتر مربع، وبعضها يزيد طوله عن كيلومتر، إلى جانب القنوات المائية. 

وأضاف أن العلماء افترضوا حتى الآن انها شيدت حصريا خلال العقود التي سبقت الثورة ثم تركت مهجورة عندما دمر الصراع الاقتصاد الزراعي في المنطقة.

لكن التقرير أشار إلى أن هذه المعلومات يتم تقويضها الآن، موضحا أن باحثين قاموا في العام 2022، بعمليات حفر في 4 من القنوات والتلال الأثرية ودراسة تربتها من خلال تقنيات حديثة "OSL" والتي اظهرت أن بعض التلال الزراعية ظلت تستخدم بعد قرن أو أكثر من ثورة العبيد، مع تواريخ تمتد إلى القرنين الـ11 والـ12 وصولا الى القرن الـ13. 

ولهذا، يقول التقرير إن الأبحاث الجديدة، تشكك في تأثير ثورة العبيد على الزراعة والاقتصاد المحلي، حيث أن الزراعة استمرت بعد فترة طويلة من هذه الانتفاضة.

واعتبر التقرير أن تعبير "زنجي" كان مصطلحا غامضا، وأنه برغم ارتباطه بشكل عام بالعبيد من سواحل شرق أفريقيا، إلا أن البعض يقولون بأن غالبية الأفارقة الذين أخضعوا للعبودية، ربما جاءوا من غرب ووسط أفريقيا عبر طرق التجارة الصحراوية.

كما أن الروايات تظهر أيضاً أن المشاركين في الثورة لم يكونوا جميعا من العبيد الأفارقة حيث أن المزارعين المحليين شاركوا، مما يدل على أن التمرد كان له تكوين اجتماعي معقد.

وبحسب التقرير، فإن ثورة العبيد تلك، لم تكن التمرد الأول من نوعه، حيث اندلعت هناك تمردات صغيرة من قبل مجموعات من الزنوج في أواخر القرن السابع الميلادي، إلا أنه لم يكن أي منها واسعا أو مستمرا مثل صراع القرن ال9.

وأشار إلى أن الثوار واجهوا الجنود العباسيين طوال عقد من الزمان، حتى أنهم سيطروا على البصرة، قبل أن يتم القضاء عليهم في العام 883، مضيفا برغم ذلك أن الأدلة الأثرية الجديدة تكشف أن الزراعة انتعشت، أو على الأقل نجت في معظم السهول الفيضية.

وختم التقرير بالتذكير بأن هناك تساؤلات ظلت بلا أجوبة من بينها لماذا تم التخلي عن هذه المنطقة الشاسعة من الأراضي الزراعية بين القرنين الـ13 والـ14، مضيفا أن السبب ربما يكون التغيير المناخي والمرض والتحولات السياسية أو الاقتصادية.