شفق نيوز- ترجمة خاصة

حددت صحيفة "ديلي صباح" التركية القضايا الإقليمية الأكثر أهمية بالنسبة لتركيا على صعيد السياسة الخارجية، بما في ذلك العراق، حيث تتشكل علاقة أنقرة به من خلال عدة ملفات رئيسية، بينها حفظ استقراره وتعزيز انخراطه الإقليمي وتحديداً مع دمشق، ودعم مشروع "طريق التنمية" للحد من اعتماده على النفط، والتفاهم على مفهوم "مكافحة الإرهاب".

وبالإجمال، اختصرت "ديلي صباح" في تقريرها، الذي ترجمته وكالة شفق نيوز، المنظور التركي بقضايا الدولة الفلسطينية وإعمار غزة، والحفاظ على وحدة سوريا وتنميتها، وتشجيع الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة، والحفاظ على سيادة العراق، وضمان وحدة ليبيا، والعمل التشاركي لتركيا مع الاتحاد الأوروبي.

ووصف التقرير تركيا بأنها ليست دولة أوروبية فقط، وإنما هي أيضاً دولة شرق أوسطية ومتوسطية وبلقانية وبحر قزوينية وأوراسية، وهي أيضاً الجزء الشرقي من الغرب والجزء الأكثر غرباً من الشرق، وهو موقع فريد يمنح تركيا مهمة خاصة، لنشر السلام ليس فقط في المنطقة المتقلبة وإنما في كل أنحاء العالم.

وأشار إلى أن ذلك يمثل استمرارا لإرث مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك، الذي دعا الى السعي من أجل "السلام في الداخل، والسلام في الخارج".

استقرار العراق

وذكر التقرير التركي أن الحفاظ على الاستقرار في العراق الذي تحقق بصعوبة، أمر بالغ الأهمية بالنسبة لتركيا والمنطقة الأوسع، مشيراً إلى أن أنقرة دعمت دائماً، وستواصل دعم، جهود العراق لحماية البلد من التوسعية المزعزعة للاستقرار.

وأضاف التقرير أن الميليشيات التي تتمتع بدعم خارجي، تبقى مدعاة للقلق، إلا أنه رأى أن يُبقي العراق تركيزه على جدول أعماله الإيجابي وأن يستمر في إعادة انخراطه مع المنطقة، بما في ذلك مع سوريا، لافتاً إلى أن انقرة تشجع كل من بغداد ودمشق على خلق علاقة بناءة تستند على الثقة المتبادلة.

وتابع التقرير أن تركيا ما تزال تدعم بشكل ثابت، مشروع "طريق التنمية" العراقي التي تتضمن شبكة شاملة من البنية التحتية للنقل من الطرق السريعة والسكك الحديدية والاتصالات السلكية واللاسلكية وخطوط أنابيب النفط والغاز والمناطق السكنية والمناطق الصناعية، مشيراً إلى أن هذا المشروع الإستراتيجي يساعد العراق على تنويع اقتصاده المعتمد على النفط وتعزيز أمنه واستقراره.

وبحسب التقرير، فإن أنقرة طورت تفاهماً متبادلاً قوياً مع العراق في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب أيضاً، معتبراً أن القضاء على الإرهاب في المنطقة، يمهد الطريق أمام تنمية العراق وإعادة إعماره، لافتاً إلى أن مبادرة "تركيا الخالية من الإرهاب" ستساهم أيضاً في استقرار العراق وازدهاره.

مفتاح إيران وأميركا

ووصف التقرير التطورات في إيران بأنها "مصدر قلق لنا جميعاً"، موضحاً أن دول المنطقة تعارض الانتشار النووي وتعارض بنفس القدر امتلاك إيران الأسلحة النووية، إلا أنه لا يمكن تحقيق هذا الهدف سوى من خلال الدبلوماسية البناءة.

واعتبر التقرير أن ضغطاً كبيراً مورس على إيران، خصوصا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إلا أنه رأى أن الضغط المبالغ فيه، يخاطر بتقوية القوى الانعزالية في السياسة الداخلية للبلد، وبالتالي إضعاف آفاق حل دبلوماسي للقضايا المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني.

ولفت التقرير إلى أن تركيا تشعر بالقلق من أن المأزق المحيط بالقضية النووية يمكن أن يتسبب بصراع جديد بين إيران والولايات المتحدة أو إسرائيل، مشيراً إلى أن عدم الاستقرار السياسي في إيران، سيؤثر سلباً على المصالح الحيوية للمنطقة بأكملها وأوروبا والعالم، وأن الهجرة هي أحد تلك المخاطر المحتملة.

ولهذا، يدعو التقرير إلى إبقاء قنوات الحوار مفتوحة بما فيه مصلحة الجميع، حتى مع عودة عقوبات الأمم المتحدة.

وتابع قائلاً إن "العمل العسكري ضد إيران لا يجلب سوى تغيير تدريجي بتكلفة إستراتيجية هائلة"، مضيفاً أن تركيا تشجع كل من إيران والولايات المتحدة على استئناف التفاوض، لأن الدبلوماسية هي الطريق الوحيد القابل للتطبيق لحل القضية النووية.

توافق الآراء في سوريا

وحول الوضع في سوريا، قال التقرير التركي إن العملية السياسية تتقدم بخطوات ملموسة، معتبراً أن انتخابات مجلس الشعب الأخيرة أظهرت التزام الحكومة بتعزيز توافق الآراء الوطني من خلال نهج سياسي شامل، مضيفا أن "الأيام المظلمة لنظام الأسد صارت خلفنا"، وأن جهود الحكومة السورية الجديدة لتوحيد جميع مكونات المجتمع السوري على أساس المواطنة المتساوية، تتمتع بدعم دولي واسع.

ورأى التقرير أن سوريا التي استعادت سيادتها وسلامتها الإقليمية واستقرارها أمر ضروري لمنع التحديات الأمنية المتعلقة بالهجرة، وأنه لهذا يجب على المجتمع الدولي دعم الشعب السوري في جهوده لبناء قدراته.

وتابع قائلاً إن "ضمان تولي الحكومة السورية السيطرة على البلد بأكمله، يعتبر أمراً حيوياً"، لافتاً إلى أن "الحفاظ على السلامة الإقليمية لسوريا ووحدتها وتحسين الظروف الأمنية، تمثل شروطاً مسبقة للتنمية الاقتصادية المستدامة".

وبعدما لفت التقرير إلى زيادة في عدد السوريين العائدين طوعياً، أضاف أن "سياسة تركيا المتمثلة في تشجيع مثل هذه العودة، مفيدة لأوروبا أيضاً"، داعياً الاتحاد الأوروبي إلى القيام بخطوات بناءة للمساعدة في تحقيق الاستقرار اللازم في سوريا.

الدولة الفلسطينية

وحدد التقرير أهدافاً سياسة تركيا فيما يتعلق بالفلسطينيين، قائلاً إن وقف إطلاق النار في غزة، رغم هشاشته، سيصمد إلى حد كبير على الأرض، إلا أن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة تهدد بعرقلة العملية، ويجب ممارسة الضغط على إسرائيل لاحترام وقف إطلاق النار وتنفيذ جميع بنود الاتفاق.

ودعا التقرير إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية، وإلى ضرورة أن تبدأ جهود الإعمار دون تأخير لمساعدة سكان غزة على إعادة بناء حياتهم.

ولفت التقرير إلى استعداد تركيا للنظر في المساهمة بقوات في "قوة الاستقرار الدولية" المقترحة، إلا أنه يجب أولاً تحديد ولاية هذه القوات وكيفية عملها بوضوح.

كما اعتبر التقرير أن "غزة أرض فلسطينية ويجب أن تظل كذلك، ويتحتم أن يكون الحكم الذاتي الفلسطيني هو هدفنا النهائي".

ليبيا الموحدة

وقال التقرير إن تركيا ستواصل جهودها للحفاظ على الاستقرار والأمن في ليبيا، مما يؤثر على السلام عبر حوض البحر الأبيض المتوسط والساحل وحتى شرق أفريقيا، معرباً عن تأييد أنقرة جهود الأمم المتحدة لإجراء انتخابات نزيهة وشفافة في ليبيا، والتأكيد على مبدأ "ليبيا الواحدة"، من خلال عملية حوار يقودها الليبيون ويمتلكونها بأنفسهم.

وختاماً رأى التقرير أنه بإمكان تركيا والاتحاد الأوروبي إقامة شراكة ليست مرنة فحسب، وإنما أيضاً تحويلية بالنسبة للمنطقة الأوسع، مضيفاً أن بإمكان الأتراك والأوروبيين تشكيل أوروبا لا مجرد كيان جغرافي أو كتلة سوقية، وإنما كقوة جيوسياسية حقيقية، مبدئية وتعددية ومستعدة لتحديات القرن المقبل.