شفق نيوز- دمشق

على مقربة من الجامع الأموي العريق في العاصمة السورية دمشق، يقع سوق القباقبية كواحد من أبرز الشواهد التي تروي قصة مهنة اندثرت وبقي اسمها محفوراً في ذاكرة المكان الممتد بين الأزقة الضيقة المغطاة بالأقواس الحجرية إلى سوق الحميدية والبزورية وسوق الذهب.

ويعود إنشاء سوق القباقبية إلى العصر المملوكي، وكان مقراً لصانعي "القباقيب" الخشبية، وهي نوع من الأحذية التقليدية التي ارتبطت بالحمامات العامة والمساجد.

ومع مرور الوقت تراجع الطلب على هذه الصناعة حتى كادت تختفي، لكن الاسم ظل لصيقاً بالمكان، ليصبح السوق رمزاً للحرف الدمشقية القديمة.

ملامح معمارية وتجارية

ويتميز السوق بضيق مساحته وتلاصق دكاكينه الصغيرة على جانب واحد من الطريق، التي كانت في الماضي ورشاً لصناعة الأخشاب والأحذية، بينما تحولت اليوم إلى محال لبيع التحف الشرقية، والأقمشة الدمشقية، والمشغولات النحاسية، والهدايا التذكارية بالاضافة للفضيات.

وتستقطب هذه المحلات السياح والزوار الباحثين عن أجواء دمشق الأصيلة، كما توفر منتجات يدوية تعكس تراث ومهارة الحرفيين السوريين.

لكن تركت سنوات الحرب بصمتها الثقيلة على السوق، إذ تراجعت الحركة التجارية وأغلق العديد من الحرفيين أبواب محالهم بسبب غياب السياحة وضعف الطلب المحلي.

ومع تحسن الأوضاع الأمنية مؤخراً وعودة بعض الزوار، بدأ النشاط يدب تدريجياً من جديد، لكن السوق ما يزال يواجه صعوبات تتعلق بتكاليف الإنتاج وغياب الدعم الحكومي المخصص لإحياء الحرف التراثية.

جهود رسمية

وكانت وزارة السياحة السورية قد أعلنت في وقت سابق عن خطط لإحياء الأسواق التقليدية في دمشق القديمة عبر مشاريع ترميم وصيانة، بالتعاون مع منظمات محلية ودولية.

ويأمل تجار سوق القباقبية أن تشمل هذه الجهود تحسين الخدمات الأساسية ودعم الترويج السياحي، بما يسهم في تعزيز مكانة السوق كمقصد للزوار.

وفي هذا السياق يقول صاحب محل للشرقيات رضوان الحسين إن "الإقبال بدأ يتحسن في العام الأخير إلا أن النشاط لا يزال أقل بكثير مما كان عليه قبل عام 2011، لكن السوق يحتاج إلى تسويق أكبر ودعم من الجهات المعنية".

ويؤكد الحسين لوكالة شفق نيوز أن "منتجاتهم اليدوية قادرة على المنافسة إذا وجدت دعم وطريق إلى الأسواق الخارجية".

أهمية تراثية واقتصادية

بدوره، يستذكر الخبير في التراث الدمشقي مأمون الصواف، تاريخ سوق القباقبية بالقول إن "عمر هذا السوق اليوم يقارب ستة إلى سبعة قرون وهو ممر تجاري، وجزء من الهوية الثقافية لدمشق".

ويعتبر الصواف خلال حديثه لوكالة شفق نيوز أن "إعادة تأهيل الأسواق التراثية وتفعيل السياحة الثقافية يعرّف الشباب الجديد على تراث بلادنا، ويمكن أن يسهم في إنعاش الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل للشباب".

ويعد سوق القباقبية معلماً حياً يختصر قروناً من تاريخ دمشق، ورغم ما تعرض له من تحديات، فإنه ما يزال يستقطب الزوار بفضل ما يحمله من روح الماضي وأصالة المكان.

وبين الحاجة إلى الترميم والدعم، والطموح لاستعادة دوره كسوق نابض بالحياة، يظل السوق شاهداً على أن التراث الدمشقي قادر على الصمود ومواصلة الحضور في ذاكرة المدينة وسكانها.