شفق نيوز- دمشق/ الخرطوم 

سجل عام 2025، تحولاً مفصلياً وتطورات كبيرة، في سوريا والسودان، فالأولى عادت للحضور الدبلوماسي الدولي بعد عزلة أكثر من عقد، فيما شهدت السودان مرحلة مفصلية لطرفي الصراع في محاولة لصياغة خريطة ميدانية لتغيير موازين القوى في عدد من الأقاليم، وإعادة تشكيل المشهدين العسكري والسياسي العام.

والبداية من دمشق، فقد شهدت جولات مكوكية لوفود عربية وأجنبية، في إطار سعيها لاستعادة دورها الريادي على خريطة العلاقات الخارجية، وتثبيت شرعيتها السياسية من خلال تفعيل الدور السياسي في النظام الدولي. 

وتزامن ذلك مع جولات دولية أخرى، في سياق انفتاح مدروس على عواصم القرار العالمي، وذلك من خلال الحضور للرئيس السوري أحمد الشرع وزيارة الرياض ولقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومن ثم زيارة فرنسا ومصر ومن ثم حضور اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، وتلاها لقاء آخر مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض بواشنطن، بهدف إعادة دمج سوريا في شبكات التعاون الدولي، بدءاً من رفع العقوبات وصولاً إلى إلغائها. 

وترافقت هذه الزيارات في ختام العام مع رفع العقوبات، ولا سيما قانون قيصر الذي أنهك السوريين طوال خمسة عشر عاماً، وسبق ذلك حضور متزايد في المنتديات الاستثمارية الدولية، والمشاركة في اجتماعات مؤسسات مالية كبرى، وتنظيم معارض وملتقيات أعمال داخل سوريا وخارجها، في محاولة لإعادة تقديم البلاد كمساحة مفتوحة للشراكات وإعادة الإعمار.

ورغم استمرار التحديات، وعلى رأسها ملف استعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية، وتباين مواقف بعض الدول، فإن عام 2025 أبرز مقاربة دولية جديدة تتعامل مع سوريا كدولة تسعى لاستعادة موقعها، لا كساحة صراع فقط، ليشكل هذا العام محاولة عملية لإعادة تموضع سوريا سياسياً واقتصادياً، وسط توازنات إقليمية ودولية غاية في التعقيد. 

ويقول الباحث الكاتب والباحث السياسي، محمد هويدي إن عام 2025 كان عام تحول حقيقي، حيث تنامى الحضور الدبلوماسي السوري عبر الزيارات الخارجية والمشاركات في المحافل الدولية والإقليمية، ولا سيما اجتماعات الأمم المتحدة والقمة العربية في مصر، والتي جاءت ضمن مسار أوسع يهدف إلى استعادة سوريا لمكانتها الدولية والعربية بعد سنوات طويلة من الغياب والعزلة السياسية والحصار الاقتصادي.

ويضيف هويدي، في تصريحع لموقع "إرم نيوز" الإماراتي، أن هذا الحضور لا يمكن قراءته بوصفه نشاطاً بروتوكولياً فحسب، بل يعكس محاولة ممنهجة لإعادة تقديم سوريا كفاعل سياسي شرعي داخل النظامين الإقليمي والدولي، بعد مرحلة اتسمت بالتهميش وتراجع التمثيل وتقييد العلاقات الدبلوماسية.

وعلى المستوى العربي، أشار هويدي إلى أن حضور الرئيس الشرع القمة العربية حمل دلالات رمزية وسياسية بالغة الأهمية، إذ يعكس ذلك محاولة إعادة إدماج سوريا ضمن الفضاء العربي واستعادة دورها في الملفات الإقليمية المشتركة بعد سنوات أيضاً من القطيعة والانقسام حول الملف السوري.

السودان

وخلال العام تصاعدت وتيرة المعارك واتسعت رقعتها، بالتزامن مع لجوء قوات بورتسودان إلى قوات من خارج السودان للقتال إلى جانبها، لتعويض الخسائر والأهم فك الطوق عن بعض المناطق المحاصرة وسط اشتداد الضغوط على أكثر من محور.  

وتجلت هذه التحولات منذ بداية العام، مع خسارة قوات بورتسودان مناطق استراتيجية أبرزها الفاشر وبابنوسة وحقل هجليج وبرنو ومناطق أخرى من إقليمي دارفور وكردفان، وسط معارك اتسمت بطول أمدها، لا سيما مع التحول من الجيوب إلى المناطق والمدن الحيوية كما في الفاشر التي تعرضت لحصار خانق لمدة ثلاث سنوات حتى تحريرها في أكتوبر 2025، لتخرج من سيطرة قوات بورتسودان بعد انقطاع خطوط الإمداد وتراجع القدرة الدفاعية؛ ما فتح المجال أمام قوات الدعم للتمدد العسكري إلى ما بعد الفاشر. 

واستمرت المعارك بين الجانبين بعد الفاشر، وصولاً إلى مدينة النهود التي كانت تشكل مركزاً دفاعياً محصناً لقوات بورتسودان، حيث شهدت بدورها معارك عنيفة لتخسرها قوات بورتسودان في مايو 2025، كما شكلت مدينة بابنوسة بدورها أحداثاً كبيرة سقطت بعد حصار طويل انتهى بخسارتها أيضاً في ديسمبر الماضي، وصولاً إلى منطقة علوبة شمال كردفان في ديسمبر، إذ كانت مسرح نزاع محتدم بين الجانبين، لا سيما وأن السيطرة على هذه المنطقة كان لها الأثر الكبير على قطع أحد اهم خطوط الإمداد تجاه مدينة الرهط والطريق الرابط بمدينة الأبيّض الاستراتيجية وسط البلاد.  

وأسوة بالشمال، لم يكن جنوب كردفان بمنأى عن المعارك، ففي عام 2025 تحول الصراع إلى قتال عنيف للسيطرة على مواقع مهمة؛ إذ عملت قوات الدعم السريع عبر حصار مدينة كادوقلي على استنزاف قوات بورتسودان بعد قطع كل طرق الإمداد، لتسيطر على مدينة برنو شرقي كادوقلي، ما جعل الأخيرة بحكم الساقطة عسكرياً، ومع ذلك لا تزال قوات بورتسودان متمركزة في المدينة رافضة الانسحاب رغم محاولات المجتمع الأهلي للاستسلام من دون قتال، بينما شكل حقل هجليج النفطي النقطة الفاصلة في هذا الصراع، حيث خسرت بورتسودان مصدر تمويل مهما وحيويا، فقدت معه أي فرصة عودة إلى ما قبل هذا الصراع. 

وعلى صعيد التكتيكات العسكرية، تطورت أساليب قتال غير معهودة، ففي هذا العام استخدم الجانبان الطيران المسير بكثافة، لا سيما في المناطق القريبة من خطوط التماس؛ ما دفع الدعم السريع إلى اتباع أسلوب القضم السريع لبعض المناطق منعاً لأي خروقات من خلال استهداف منصات الإطلاق.