شفق نيوز- غزة

اختار الفنانان التشكيليان حمزة منصور وياسمين أسعد أبو محيسن، الانخراط في مهمة فنيّة لتجسيد رحلة الغزيين في النزوح والعودة وما رافقها من مراحل مؤلمة تحت القصف والجوع والعطش وغيرها من ملامح يوميات سكّان القطاع.

حيث قرر منصور وأبو محيسن، توثيق كل مرحلة من هذه المراحل عبر أعمال فنيّة حاولا من خلالها إيصال صوت القطاع المحاصر إلى العالم الكبير.

ويروي الفنان التشكيلي حمزة منصور، وهو نازح من رفح، جانباً من تجربته لوكالة شفق نيوز، قائلاً إن الحرب دمّرت منزله ومرسمه بالكامل، وفقد كل أعماله التي كانت تحت الركام.

ويضيف منصور، انه كان يدير مرسماً خاصاً لتعليم الأطفال الرسم والخط العربي والنحت، غير أن النزوح حرمه من كل شيء، وأصبح يجد صعوبة حتى في الحصول على قماش للرسم أو فرشاة أو ألوان، بعد تدمير الأسواق التي كانت توفر الخامات الفنية.

ويشير الفنان التشكيلي، إلى أنه اضطر للرسم داخل خيمة النزوح في ظروف قاهرة، قبل أن يتلقى بعض الدعم من أصدقاء فنانين ومؤسسات مهتمة بالفن، تمكّن من خلاله من توفير مواد بديلة، على الرغم من رداءتها مقارنة بما كان يستخدمه سابقاً.

ومع شح الأدوات، أنجز منصور أربعة عشر عملاً فنياً خلال الحرب، مستخدماً الأكريليك على الكانفاس، وموثقاً عبرها مراحل نزوحه من رفح إلى خانيونس ثم دير البلح.

وحظيت أعمال منصور حول مراحل النزوح بإعجاب فني واهتمام من روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما نجح من خلالها في إيصال صورة دقيقة عن معاناة الغزيين اليومية.

وفي السياق نفسه، تتحدّث الفنانة ياسمين أسعد أبو محيسن، النازحة أيضاً من رفح إلى دير البلح، عن رؤيتها الفنية، مؤكدة لوكالة شفق نيوز أن لوحاتها تُستقى بالكامل من الواقع القاسي الذي يعيشه السكّان.

وتقول، إن المشاهد التي ترسمها لا تعكس سوى جزء بسيط من حقيقة الألم الذي يعانيه الغزيون، من نزوح وتجويع وصعوبة توفير مكان آمن أو حتى وسيلة مواصلات خلال تنقلهم المستمر.

وتوضح أبو محيسن، أنها بدأت الرسم خلال الحرب من خلال مشاركتها في منصة فنية لفنانين يمنيين، رغبةً منها في إيصال صوت غزة عبر اللوحة.

كما قدمت ياسمين أعمالاً حملت رسائل مباشرة، بينها لوحة "رغيف الكرامة" التي تناولت فترة التجويع، ولوحة "إلى متى؟" التي جسّدت رحلة النزوح القاسية، إضافة إلى لوحة "دموع ناجين" التي تناولت خوف الأطفال ومعاناتهم اليومية في الحصول على الماء.

وتشير ياسمين إلى أن إحدى لوحاتها لاقت اهتمام مركز نسائي تركي فقام بشرائها، وهو ما منحها دعماً معنوياً دفعها لمواصلة العمل على الرغم من كل الظروف.

وتلفت أبو محيسن إلى أنها واجهت صعوبات كبيرة في توفير أدوات الرسم، نظراً لعدم معرفتها بالأسواق في مكان النزوح وارتفاع أسعار اللوحات، فضلاً عن رداءة الألوان والفرش المتاحة في ظل إغلاق المعبر ومنع دخول المستلزمات الفنية.

ومع ذلك، أصرت على الاستمرار لأن الرسم – على حد قولها – هو الطريقة الوحيدة للتعبير عن المشاعر التي لا يمكن إيصالها بالصوت.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة، يؤكد الفنانون الغزيون أن الفن سيظل حاضراً كنوع من المقاومة الهادئة، ورسالة تُظهر أن غزة ليست مجرد حكاية حرب ودمار، بل قصة صمود وحياة وأمل يولد من بين الأنقاض وتتلقفه فرشات الفنانين.

فتجربة حمزة وياسمين لا تمثل إلا نموذجين من عشرات نماذج الفنانين الذين يحوّلون الألم إلى لوحات تُعرض للعالم، وتوثّق فصلاً جديداً من معاناة القطاع تحت الحرب.

ويواصل فنانو غزة تحويل الألم إلى أعمال فنية ترصد وجع المدنيين وتوثّق المأساة التي يعيشونها منذ أشهر، بين دمار الحرب وفي ظل ظروف النزوح القاسية، على الرغم من فقدان المرسم والأدوات وتشتت العائلات تحت الخيام، حيث يصر الفن التشكيلي هناك على البقاء، ويجد لنفسه مساحة صغيرة بين الركام لتجسيد صور الحزن الكثيرة والمتنوّعة.