أثبت التضخم أنه وحش يصعب ترويضه، حيث فاجأ الارتفاع في مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي توقعات السوق مرة أخرى بزيادة 8.3% على أساس سنوي خلال شهر أبريل، مما تسبب في تأرجح الدولار الأمريكي بشكل كبير بين المكاسب والخسائر خلال جلسة اتسمت بدرجة عالية من عدم اليقين.
بعد صدور بيانات التضخم ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي المرجح بالعملة (DXY) إلى 103.9 نقطة، قبل أن ينخفض قليلًا ويستقر عند 103.6 نقطة، ولكنه عاد للارتفاع اليوم الخميس (19 مايو) ليتداول عند أعلى مستوياته في 20 عام عند 104.54 نقطة.
هل ستؤدي المفاجأة الأخيرة في التضخم إلى إحياء ارتفاع الدولار الأمريكي في سوق تداول العملات من خلال زيادة التوقعات بسياسة نقدية أكثر تشددًا من قبل البنك الاحتياطي، أم أن المستثمرين يفقدون صبرهم نتيجة التحديات في تخفيف التضخم.
هل بلغ التضخم في الولايات المتحدة ذروته في أبريل؟
ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي بنسبة 8.3% في الاثني عشر شهرًا المنتهية في أبريل، لتأتي القراءة بأقل من شهر مارس الذي سجل ارتفاع عند 8.5% وهو الأعلى في 40 عام، لكنها لا تزال أعلى مما توقعته السوق التي أشارت إلى ارتفاع بنحو 8.1%.
ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 9.4% مقارنة بالعام الماضي في أكبر زيادة منذ أبريل 1981، كما ارتفعت تكاليف الطاقة بنسبة 30% على أساس سنوي لكنها انخفضت بنسبة 2.7% على أساس شهري، كما ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساس الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة بنحو 6.2% بأعلى من توقعات السوق التي أشارت إلى ارتفاع بنحو 6.0%.
بشكل عام، هدأ التضخم قليلاً من ذروته البالغة 8.5% في مارس، لكن هذا لا يعني أن الضغوط التضخمية بدأت في التلاشي، لا تزال الزيادات السعرية في سلة المستهلك خاصة في القطاع الخدمي مرتفع للغاية وقد يستغرق انخفاضها وقتًا أطول مما كان متوقعًا.
معدلات التضخم المرتفعة تتطلب سياسة أكثر تشددًا من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي
مع استمرار التضخم لفترة أطول من المتوقع، قد يضطر البنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بشكل أكثر قوة، بالنظر إلى أن الاختلاف بين المتغيرين واسع للغاية من الناحية التاريخية، فقد تعود احتمالية رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس خلال اجتماع يونيو، مما يتسبب في بعض المخاطر الرئيسية للسوق في الأسابيع التالية.
المفاجأة الأخيرة في تضخم مؤشر أسعار المستهلكين هي أنها رياح عكسية لسوق الأسهم، حيث أن مخاطر انخفاض السيولة من البنك الاحتياطي الفيدرالي والتضخم المرتفع وتكاليف الاقتراض المتزايدة قد تلحق المزيد من الضرر بمعنويات المستثمرين وهوامش الربح.
قد تجعل أسعار الفائدة المرتفعة الدولار الأمريكي أكثر جاذبية للمستثمرين، خاصةً مقابل اليورو والجنيه البريطاني اللذين يتعاملان مع توقعات اقتصادية قاتمة.
ومع ذلك، إذا بدأ المستثمرون في الاعتقاد بأن التضخم لا يمكن السيطرة عليه من خلال ارتفاع أسعار الفائدة وأننا على وشك بداية مرحلة ركود جديد، فإن الطلب على الذهب سيرتفع، حيث أظهرت السبائك عوائد إيجابية بشكل تقليدي خلال فترات الركود، وقد يؤثر بالسلب على أداء العملة الأمريكية.
لهذا سيكون من الضروري تتبع سلوك عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، والذي استعاد على الفور علامة 3% بعد صدور مؤشر أسعار المستهلكين، حيث تميل العوائد المرتفعة في الولايات المتحدة إلى توقع ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي تقوية الدولار.
لا يشير تراجع التضخم في أبريل بالضرورة إلى تغيير في استراتيجية البنك الاحتياطي نحو مزيد من التشديد والتي كانت داعمة للدولار، يشير المحللون إلى إنه من المحتمل أن تظل توقعات رفع أسعار الفائدة كما هي، ومن المرجح أن تصل سعر فائدة النهائية بالقرب من 3.25% خلال 2023، لكن بعض التخفيف في ملف تشديد البنك الاحتياطي الفيدرالي سيكون نتيجة تفكير دقيق في هذه المرحلة، خاصة وأن البيانات الاقتصادية التي تتوالي عن الاقتصاد الأمريكي تبدو مخيبة للآمال.
في غضون ذلك، من المرجح أن يجد الدولار الأمريكي دعمًا كبيرًا من استمرار الطلب على الملاذ الآمن، خاصة مع تزايد المخاوف بشأن تباطؤ النمو في الصين ومنطقة اليورو، وقد أظهرت البيانات الأخيرة تباطؤًا في الخدمات والتصنيع في الصين، وانخفاض الإنتاج الصناعي في ألمانيا، وتراجع ثقة المستهلك في كليهما.
ما العوامل التي ساعدت الدولار الأمريكي على الارتفاع في عام 2022؟
تشمل العوامل التي تحدد اتجاه مؤشر الدولار الأمريكي أساسيات الاقتصاد الأمريكي وسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية والنفور من المخاطرة وسعر صرف اليورو.
على المدى القصير، فإن توقعات رفع أسعار الفائدة والنفور من المخاطرة سيدعمان استمرار الدولار في الصعود خلال الربعين المقبلين، ويتوقع السوق أن يقوم البنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، وبالتالي فإن مؤشر الدولار الأمريكي لا يزال أمامه مجال لمواصلة الارتفاع.
تميل أسعار الفائدة المرتفعة إلى جذب المستثمرين الباحثين عن العوائد، لذلك يتدفق المزيد من الأموال إلى الدولار والأصول المرتبطة به، وسيستمر الاتجاه المتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة وتقلص الميزانيات العمومية في دفع الدولار إلى الأعلى، نعتقد أنه ما لم يضعف الاقتصاد الأمريكي ويعطل خطة رفع سعر الفائدة الصارمة للبنك الاحتياطي الفيدرالي سيستمر الدولار في الارتفاع.
تأثرًا بالصراع بين روسيا وأوكرانيا، زاد عزوف المستثمرين عن المخاطرة في الأسواق بشكل كبير وزاد الطلب على الملاذ الآمن للدولار الأمريكي، لا سيما بالنظر إلى أن الحرب لا تزال تؤثر على الاقتصاد الأوروبي، حتى لو أتيحت الفرصة للبنك المركزي الأوروبي لرفع أسعار الفائدة في النصف الثاني من العام فإن عدم اليقين سيصاحب اليورو، وسيظل الين مدفوعًا بالهبوط بفعل اختلاف السياسة النقدية بين البنك الاحتياطي الفيدرالي وبنك اليابان.
ومع ذلك، بسبب العقوبات المالية التي فرضها على روسيا، تضررت مصداقية الدولار الأمريكي، وبالتالي ستواجه هيكلة العملة العالمية تعديلات جديدة مما قد يؤدي إلى تنويع احتياطيات النقد الأجنبي العالمية في الكثير من دول العالم، مما يزيد من إضعاف هيمنة الدولار الأمريكي. .
على المدى المتوسط والطويل، بعد تنفيذ دورة رفع سعر الفائدة قد يتخلى مؤشر الدولار الأمريكي عن بعض مكاسبه، حيث إن إصدار البنك الاحتياطي الفيدرالي المتكرر لأصوات "التشديد" والوتيرة المتسارعة لرفع سعر الفائدة تعني أن سيولة الدولار الأمريكي قد ضاقت، مما سيجلب دعمًا معينًا لمؤشر الدولار الأمريكي.
إن التمايز في سياسات البنوك المركزية العالمية دفع الدولار إلى المزيد من التعزيز، حيث كان اليورو والين الياباني يحومان عند مستويات منخفضة في معظم الأوقات الأخيرة، مما عزز من قوة الدولار بشكل غير مباشر، منذ بداية هذا العام ارتفع الدولار بأكثر من 10% مقابل الين وأكثر من 5% مقابل اليورو، حتى أن الين وصل مؤخرًا إلى أدنى مستوى له منذ 20 عامًا.
ثلاثة سيناريوهات لمؤشر الدولار الأمريكي:
الحالة الأولى (الحالة الأساسية): رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في يونيو ويوليو على التوالي، والبدء في تقليص ميزانيته العمومية في يونيو، في المقابل، يتخذ البنك المركزي الأوروبي قرارًا واضحًا بخفض مشتريات السندات في يونيو مع تماسك اقتصاد منطقة اليورو وعدم وقوعه في الركود، من المتوقع أن يصل مؤشر الدولار الأمريكي إلى ذروته عند 103-105 وقد تكون نقطة التحول في منتصف يونيو.
ثانيًا: في السيناريو الذي يكون فيه الاحتياطي الفيدرالي أكثر تشددًا وفقًا للحالة الأساسية، ولكن منطقة اليورو تقع في مرحلة الركود، فمن المتوقع أن يخترق مؤشر الدولار 105 نقطة.
ثالثًا: في حالة أن المسار الفعلي للبنك الاحتياطي الفيدرالي أقل تشددًا من الحالة الأساسية، واقتصاد منطقة اليورو لم يدخل في مرحلة الركود، فسيكون من الصعب وصول مؤشر الدولار الأمريكي إلى 103 نقطة.
لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" قالت إن بعض الناس يتوقعون أن يتراجع الدولار في العام المقبل، وهم يعتقدون أن التراجع في الأسهم والأحداث غير المتكررة في أوروبا بما في ذلك الانتخابات الرئاسية الفرنسية قد دفعت الدولار إلى المكاسب الحادة خلال الفترة الماضية.