شفق نيوز/ وسط ضغوط يعانيها الاقتصاد المصري، أقر البنك المركزي رفع أسعار الفائدة، في خطوة يسعى من خلالها إلى كبح جماح التضخم، فيما أعلن صندوق النقد الدولي أن مباحثات القرض الذي تنتظره القاهرة "في مراحلها الأخيرة".
وجاء قرار المركزي المصري، مخالفا لتوقعات المحللين، بأن يبقي على أسعار الفائدة ثابتة دون تغيير، حسب وكالة رويترز، مشيرين إلى أن الزيادة يجب أن ترتبط بتخفيض العملة، ناهيك عن أن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي ثبّت، مؤخرا، أسعار الفائدة للمرة الرابعة على التوالي.
وتعاني مصر من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخها، بعدما سجل معدل التضخم السنوي مستوى قياسيا يبلغ حاليا 35 في المئة، مدفوعا بتراجع قيمة العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية، في ظل استيراد القسم الأكبر من الغذاء.
وتضاعفت ديون البلاد الخارجية أكثر من 3 مرات في العقد الأخير، لتصل إلى 165 مليار دولار، وفقا للأرقام الرسمية، من بينها أكثر من 42 مليار دولار مستحقة هذا العام، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
وقال البنك المركزي في بيان، الخميس، إن لجنة السياسة النقدية أقرت رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس، ليصل إلى 21.25 في المئة و 22.25 في المئة و 21.75 في المئة، على الترتيب، كما تم رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 200 نقطة أساس، ليصل إلى 21.7 في المئة.
وأضاف أن قرار اللجنة جاء بهدف "الحد من توقعات التضخم، وتقييد الأوضاع النقدية للحفاظ على مسار نزولي لمعدلات التضخم"، حيث "ستستمر في تقييم توازنات المخاطر، بهدف تحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط".
ورأى محللون تحدثوا لموقع "الحرة"، أن الخطوة التي اتخذها البنك المركزي المصري قد تكون مهمة، لمواجهة التضخم من الناحية النظرية، لكنها يجب أن تترافق مع استراتيجية لتعويم الجنيه وتخفيض سعره عن المستويات التي وصل لها، وتحفيز الموارد الدولارية للبلاد.
المحلل الاقتصادي، وائل النحاس، أشار إلى تأكيد المركزي المصري أنه يريد الحد من السيولة النقدية الموجودة في الأسواق وكبح التضخم، رغم أن بيانات تكشف عن "تضارب في المعطيات".
وأضاف في رد على استفسارات موقع "الحرة"، أن "بعض المؤشرات تشير إلى وجود انكماش في النمو، وبعضها الآخر يتحدث عن زيادة في الاستهلاك وتوسع في الإنفاق"، مشيرا إلى أن "مؤشرات الإنفاق وحدها لا يجب الاعتماد عليها، إذ يوجد زيادة في الاستهلاك في السوق المحلية لكنها مصطنعة، إذ أنها تعتمد بشكل كبير على البيع للمنظمات التي ترسل المساعدات إلى غزة".
وأكد النحاس أن مثل هذا القرار يجب أن يرتبط باستراتيجية، "بحيث يتم الدفع بتخفيض الجنيه عن مستويات الأسعار الحالية، وإصدار قرار بالتعويم، على أن يترافق ذلك مع تسريع صندوق النقد الدولي لدفعات القرض". وخاطب الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، المواطنين بمناسبة عيد الشرطة، وقال: "دائما كان الدولار يمثّل مشكلة في مصر". وتابع: "إذا لم تصبح الموارد بالدولار أكبر أو تساوي الإنفاق بالدولار.. ستكون هذه المشكلة دائما".
وأرجع السيسي الأزمة إلى أن الحكومة "تشتري خدمات بالدولار وتبيعها للمواطن بالجنيه"، مشيرا إلى أن الدولة تتكلّف 3 مليارات دولار شهريا لتدبير السلع الأساسية والوقود والغاز الطبيعي.
وعزت رانيا يعقوب من "ثري واي" لتداول الأوراق المالية، رفع سعر الفائدة إلى ارتفاع التضخم في يناير، خاصة فيما يتعلق بأسعار السلع الأساسية، ومع توقع استمرار هذا الارتفاع خلال الشهرين الجاري والمقبل.
وأضافت لوكالة رويترز: "من المتعارف عليه أن رفع سعر الفائدة يكون له تأثير سلبي على مناخ الاستثمار، لكن في الحقيقة في ظل الظروف الحالية وفي ظل أننا نتوقع تحركات أسعار صرف مرنة وتخفيضا لقيمة العملة المحلية أمام الدولار، أعتقد أن الأمر لن يكون له تأثيرات عنيفة على المناخ الاقتصادي أكثر من الحالة القائمة حاليا، خاصة أننا تقريبا في حالة ركود وتوقف للنشاط الاقتصادي بسبب أسعار الصرف".
وقالت مونيكا مالك من بنك أبو ظبي التجاري للوكالة ذاتها: "من المرجح أن هذه الزيادة تأتي قبل خفض قيمة الجنيه، والإعلان عن اتفاق لزيادة قيمة قرض صندوق النقد الدولي".
وذكر النحاس أنه "إذا لم ترتبط زيادة الفائدة مع استراتيجية لتعويم العملة، ستكون هناك عواقب سلبية على الاقتصاد المصري، خاصة مع التصنيفات الائتمانية غير الجاذبة للمقرضين فيما يرتبط بالبلاد، ناهيك عن زيادة العجز"، معتبرا أن خطط كبح التضخم "لن تنجح حينها، وستقلل الإنتاجية بعد زيادة تكاليف الاقتراض على القطاع الخاص".
وأضاف أن "من يزعم أن مثل هذا الإجراء قد يسحب السيولة ويعزز من الودائع في البنوك، حيث سيرغب المودعون بالحصول على الفوائد التي تزيد عن 20 في المئة، فإن نظرة واحدة على الاقتصاد التركي حيث تقدم البنوك فوائد تزيد عن 45 في المئة، تكشف أن مثل هذه السياسات ليست ناجحة طوال الوقت".
ورأى النحاس أن المشكلة التي تواجه السياسة النقدية في البلاد هي "سعر الجنيه مقابل الدولار، الذي أصبحت السوق السوداء تتحكم بمستوياته، ناهيك عن نقص الموارد الدولارية، التي لا يمكن معالجتها من دون تحفيز الاستثمار بشكل حقيقي".
ودعا إلى ضرورة "إعادة الثقة" بالاقتصاد المصري، معربا عن مخاوفه من أن نرى "هروبا لبعض رجال الأعمال خارج البلاد، خاصة ممن يعملون في القطاع العقاري، الذين أوقفوا إنجاز العمل بمشاريعهم بسبب ارتفاع التكاليف".
ودفع نقص العملة الصعبة في البلاد بنك "جي بي مورغان" في وقت سابق من الشهر الجاري، إلى استبعاد مصر من بعض مؤشراته.
كما خفضت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني النظرة المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، مشيرة إلى مخاوف بشأن التمويل الخارجي والفارق بين سعر الصرف الرسمي وفي السوق الموازي.
ويبلغ سعر الدولار حاليا في السوق الرسمي حوالي 31 جنيها، بينما يصل إلى نحو 70 جنيها في السوق الموازي، وفقا لفرانس برس. الاقتصادي في "كابيتال إيكونوميكس"، جيمس سوانستون، اعتبر أن مصر "عند مفترق طرق".