شفق نيوز/ ازمة جديدة تلوح بالأفق تتمثل بعجز الحكومة العراقية عن دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين والمنافع الاجتماعية الأخرى نتيجة نقص السيولة المالية، بعد ان تسببت الشروط الجديدة التي فرضها البنك الفيدرالي الأمريكي على البنك المركزي العراقي بشأن غسل الأموال وإيقاف بعض المصارف من الدخول لمزاد العملة بعد اتهامها بتهريب العملة.
وفرض البنك الفيدرالي الامريكي في تشرين الثاني عام 2022 عقوبات على 14 مصرفاً عراقياً وأدرجها في القائمة السوداء نتيجة تهريبها للدولار وقيامها بعمليات غسيل أموال والتي تم إيقافها من قبل البنك المركزي العراقي بعد ان كانت تدخل لنافذة بيع العملات الأجنبية.
اقتصاد ريعي
ويوصف الاقتصاد العراقي بـ"الريعي" نتيجة اعتماده بنسبة 95% على الإيرادات النفطية حيث تقوم وزارة المالية بتحويل الدولار المتأتي من مبيعات النفط إلى البنك المركزي للحصول على الدينار العراقي لدفع النفقات التشغيلية من رواتب وامور اخرى يتم دفعها شهرياً.
ونتيجة انخفاض مبيعات البنك عبر المزاد الذي يجريه يوميا للمصارف وشركات التحويل، فإن الحصول على الدينار سيصبح أمراً صعباً مستقبلاً، بحسب رأي عدد من المختصين.
تجربة كوردستان وطبع العملة
الخبير الاقتصادي وأستاذ علم الاقتصاد في الجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، يقول في حديث لوكالة شفق نيوز، ان "هناك مخاوف جدية من عدم قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين خلال الفترة المقبلة".
وبين ان "الحكومة تبيع النفط بالدولار والبنك المركزي يقوم ببيع الدولار عبر النافذة ويعطي الدينار للحكومة والاخيرة تقوم بتوزيع الدينار كرواتب".
وتابع انه "منذ أكثر من 3 أشهر انخفضت مبيعات البنك في النافذة الى مستويات اقل من 100 مليون دولار يومياً وحتى وصلت في بعض الأحيان لأقل من 50 مليون دولار يوميا، وشهريا تصل الى ما يقارب ملياري دولار في حين تحتاج الحكومة الى 5.5 مليار دولار لتوزيع النفقات التشغيلية من رواتب وامور اخرى".
الدينار في جيب المواطن
واضاف المشهداني "الحكومة والبنك المركزي ليس لديهما مصادر أخرى تمكنهما من تعويض الدينار العراقي لان الدينار في جيب المواطن العراقي وجميع وسائل البنك من اصدار سندات غير فاعلة، كما ان النظام الضريبي والرسوم الجمركية فاشلة وحتى الحكومة هي غير قادرة على جباية أجور استهلاك الكهرباء".
واشار الى ان "البنك المركزي لم يستطيع ان يخلق ثقافة مصرفية على مدار الـ50 الى 60 سنة التي مضت، فهناك تخوف وهناك روتين إداري قاتل عند فتح الحساب وعند إيداع المبالغ وسحبها وحتى الفائدة التي يضعها المصرف هي غير مجزية، وبالتالي المواطن يفضل وضع المبالغ في البيت بدلا من إيداعها لدى المصارف".
"الأموال الساخنة"
ولفت الى ان "اكثر من 77% من العملة المصدرة خارج الجهاز المصرفي لدى الجمهور، وهي أموال ساخنة وغير مكتنزة، لم يستطيع الجهاز المصرفي ان يسحب اي جزء منها، كما ان وزارة المالية لا تملك الاموال التي حصلت عليها من بيع الدولار للبنك المركزي لان البيع كان يتم شهريا وكانت تدفع هذه الاموال كرواتب واجور ونفقات تشغيلية واستثمارية فمن يملك هذه الاموال الجمهور وليس المالية".
واكد ان "الحكومة ليس لديها خيارات كثيرة فهي اما ان تذهب الى ما قامت عليه تجربة اقليم كوردستان من عملية الادخار الاجباري او القيام بطبع عملة جديدة وتوزيعها كرواتب".
الدفع بالدولار
من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي محمد الحسني، في حديث لوكالة شفق نيوز، ان "ما تحدث به البعض لمعالجة ارتفاع اسعار الدولار وتلافي فشل الحكومة في دفع رواتب الموظفين من خلال دفع الرواتب بالدولار هو امرا غير صحيح لأن ذلك يتعلق بالسيادة الوطنية وما يتبعه من مشاكل اقتصادية كبيرة ومن شأن ذلك انخفاض قيمة الدينار أكثر مما هو عليه حالياً".
واضاف ان "الحكومة ليست عاجزة تماما عن تسديد الرواتب للموظفين والمتقاعدين حيث ان لديها من السيولة النقدية التي يمكنها ان تناور بها لعدة اشهر".
واستدرك "الحكومة لديها القدرة على الاقتراض وبيع السندات كما كانت تقوم به سابقا خلال الازمة المالية التي حصلت في عام 2019".
شائعة غير صحيحة
ويقول المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، في حديث لوكالة شفق نيوز، ان "ما يتحدث به البعض من عدم قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين في المستقبل أمر غير صحيح وهي عبارة عن شائعة واستنتاجات ضيقة تؤذي المواطن".
وأكد ان "الدولة لا تنتظر وهي ليست ساكنة من دون ايجاد حلول لجميع المشاكل التي تواجهها".
ولفت الى ان "لدى الدولة ادواتها العديدة القادرة على إيجاد الحلول سواء الاقتراض او تشجيع الادخار من خلال رفع الفائدة او أدوات الدين التي تصدرها الحكومة".
ونوه صالح الى ان "هناك عاملان وهما ارتفاع قيمة الدينار وارتفاع سعر الفائدة من شأنهما ان يأتيان بالسيولة النقدية".
توظيف آلاف العاطلين
وعادت الحكومة الى توظيف الآلاف من المواطنين في عدد من الوزارات والدوائر التابعة لها بعد توقف استمر لأكثر من عام نتيجة انخفاض موازنة العراق العامة بعد انتشار وباء كورونا، مما ولد ضغطا اخر على الحكومة ورفع اعداد الموظفين في القطاع العام، يضاف لهم الملايين من المتقاعدين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية.
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، في حديث لوكالة شفق نيوز، ان "عدد الموظفين من اختصاص وزارة المالية الا ان وزارة التخطيط قامت بإدخال الموظفين في منصة الرقم الوظيفي".
وبين انه "تم ادخال 3 ملايين و300 الف موظف في هذه المنصة والعمل ما زال مستمرا لغاية الان".
وتابع "المنصة هي مشروع تم العمل به منذ عام 2021 يتضمن تفاصيل كل موظف يعمل بالدولة العراقية ويكون لكل موظف رقم وظيفي خاص به وهو اشبه بـ(الكود) وفيه تفاصيل من تاريخ تعيينه والراتب وتفاصيل اخرى خاصة به".
وتشير الاحصاءات الرسمية الى ان هناك اكثر من اربعة ملايين موظف واكثر من 3 ملايين متقاعد، واكثر من مليونين يتقاضون رواتب شبكة الحماية الاجتماعية، وبحسب خبراء الاقتصاد فإن 70% من الموازنة تذهب للموازنة التشغيلية كرواتب ونفقات تشغيلية اخرى.