شفق نيوز- ترجمة خاصة

ما يزال طقس "چَمَر" في محافظة إيلام الفيلية في إيران، يقام بوصفه أحد أهم مظاهر الحداد الجماعي؛ وهو طقس متجذر في الثقافة العشائرية، ينقل الحزن من داخل البيوت إلى الساحات العامة على إيقاع الناي وقرع الطبول.

وجاء في تقرير لوكالة "مهر" الإيرانية وترجمته وكالة شفق نيوز، أنه في إيلام، حيث لا تعيش الطقوس في الكتب بل تتنفس في الساحات، يبقى "چَمَر" أحد أكثر تجليات الحداد الجماعي حيوية؛ طقس نابع من صميم الثقافة العشائرية، يحمل بنغمات الزرنا (الساز)، وإيقاع الطبل، واصطفاف الرجال، الحزن من عزلة البيوت إلى قلب الجماعة، ويبقي ذكرى الراحلين حية في دوران الخطوات وتناغم الحركات.

إيلام أرض تزخر بطقوس وعادات راسخة في الحياة الجماعية لأهلها؛ قوم تشابكت جبالهم وسهولهم ومعتقداتهم، فعبروا عن الفرح والحزن وتعاقب الفصول بالصوت والحركة والحضور الجماعي. وفي كل مناسبة، استلهموا من تقاليدهم العريقة طقسا يحفظ صلتهم بالماضي ويصون هويتهم الثقافية عبر الأجيال.

ويعد "چَمَر" من تلك الطقوس المتجذرة في الثقافة العشائرية، ويقام في العديد من مناطق إيلام لتشييع الراحلين؛ حيث تجتمع الموسيقى والحركة واصطفاف الرجال ليخرج الحزن من البيوت ويتجلى في الساحات، فلا يروى الأسى في صمت، بل يعبر عنه في حضن الجماعة.

في هذا الطقس، تتشكل صفوف منتظمة من الرجال في الساحة، يتقدمهم عازف الزرنا ناشراً نغماته الممتدة في الأرجاء، ويصاحبه قارع الطبل بإيقاع قوي، فيما يجسد الرجال الحزن بحركات متناسقة وخطوات محسوبة. ومع كل دوران وضربة طبل، تستعاد ذكرى الراحل، وتطمئن القلوب المفجوعة.

ولا يعد "چَمَر" مجرد طقس حداد، بل هو جزء من الثقافة الجماعية لأهالي إيلام، حيث يتجلى التضامن والمواساة في لحظات الفقد. فهو يحول الحزن من تجربة فردية إلى رواية جماعية، ويجعل من احترام الموت وتخليد ذكرى الحياة وسيلة لإعادة وصل القلوب، مقدما الموت لا كنهاية، بل كفرصة لتجديد الروابط الإنسانية، ومحولا الحداد إلى لغة مشتركة بين الناس.

وما يزال هذا الطقس يقام في العديد من قرى ومناطق إيلام، خصوصاً عند وفاة كبار العشائر أو الشخصيات المعروفة؛ حيث يتردد صوت الزرنا في السهول، وتصطف صفوف الرجال في الساحات. غير أن معرفة الجيل الشاب بمعاني هذا الطقس تراجعت، إذ يكتفي كثير منهم بدور المتفرج، دون المشاركة الفعلية أو تحمل مسؤولية نقل هذا الإرث الثقافي.

طقس حي في قلب ثقافة إيلام الفيلية

ونقل التقرير عن المدير العام للتراث الثقافي والسياحة والصناعات اليدوية في محافظة إيلام، فرزاد شريفي، قوله، إن طقس "چَمَر" يعد من أكثر مظاهر ثقافة الحداد أصالة وتأثيراً في غرب إيران.

وأوضح أن هذا الطقس متجذر في التقاليد العشائرية والقبلية للمنطقة، ويحول الحزن من داخل البيوت إلى الساحات من خلال مزج موسيقى الناي والطبل، واصطفاف الرجال، والحركات المتناغمة، ليغدو تجربة جماعية ذات طابع طقوسي.

وأضاف شريفي أن هذا الطقس لا يعكس فقط معتقدات الناس العميقة تجاه الموت والفقدان، بل يشكل أيضاً مساحة للتضامن والترابط الاجتماعي، حيث تبقى ذكرى الراحلين حية في وجدان الجماعة، ويتحول الحزن إلى لغة مشتركة بين الناس.

وأشار إلى أهمية صون هذا الطقس والحفاظ عليه، مؤكداً أن "چَمَر" ليس مجرد تقليد محلي، بل جزء من الهوية الثقافية لأهالي إيلام، انتقل عبر الأجيال، وما يزال يقام في كثير من مناطق المحافظة، لا سيما القرى والمناطق العشائرية. غير أن تغير أنماط الحياة وابتعاد الجيل الشاب عن الطقوس التقليدية يفرض ضرورة اتخاذ إجراءات جادة ومدروسة للحفاظ على هذا الإرث.

وأضاف: "إذا لم تنقل هذه الطقوس إلى الأجيال القادمة، فستظل حبيسة ذاكرة كبار السن، وسنفقد جزءا مهما من هويتنا الثقافية".

وأوضح شريفي أن من أبرز إجراءات المديرية دعم العائلات والمجموعات التي تقيم هذا الطقس بصورة حية، لضمان استمراره في المناسبات المختلفة، والحفاظ عليه بوصفه ممارسة معيشة لا مجرد عرض رمزي.

كما جرى التعاون مع فنانين وصناع أفلام محليين لتوثيق طقس "چَمَر" بشكل احترافي، وإتاحته ضمن أرشيف رقمي لوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، بهدف التعريف به وخصوصا لدى الجيل الشاب.

وشدد كذلك على أهمية تعليم الجيل الجديد وشرح الفلسفة الكامنة وراء هذا الطقس، محذراً من تحوله إلى عرض شكلي فارغ إذا اقتصر دور الشباب على المشاهدة دون فهم المعاني والقيم المتضمنة فيه. ولهذا، وضعت برامج تعليمية لتعريفهم بالجوانب الثقافية والاجتماعية لهذا الطقس، ليتواصلوا مع روحه لا مع مظهره فقط.

وأكد المدير العام ضرورة التعاون بين المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام والجامعات والناشطين الاجتماعيين، مشيراً إلى أن الحفاظ على طقوس مثل "چَمَر" لا يتحقق إلا بالمشاركة الجماعية، بما يضمن بقاء هذا الإرث حياً في وجدان الأجيال المقبلة، واستمرار دوره في تعزيز الترابط الاجتماعي والثقافي.

ويظل "چَمَر" طقساً متجذراً في ثقافة إيلام، ورغم تراجعه مع مرور الزمن، فإنه ما زال يمتلك القدرة على البقاء حياً من خلال تعاون الناس والمؤسسات الثقافية، محافظاً على صلة الأجيال عبر الصوت والحركة والحضور الجماعي في المناسبات العامة.