شفق
نيوز- ترجمة خاصة
عندما
تنهض الزخارف من سطح القماش وتبدو بارزة أمام العين، يولد في إيلام الفيلية فن
فريد يعرف باسم "السجاد البارز"؛ ذلك الإبداع الذي لا تنسجه الأيدي
فحسب، بل تحكي خيوطه وألوانه حكاية تواصل الماضي بالحاضر في جبال زاغروس.
وذكرت
وكالة "فارس" الإيرانية، في تقرير ترجمته شفق نيوز، أن السجاد البارز
يعد أحد أبرز المنسوجات اليدوية في محافظة إيلام؛ فهو يجمع بين بساطة نسيج السجاد
التقليدي "الكِليم" ودقة عقد السجاد الفارسي، ليمنح الرسوم بعداً
ثلاثيّاً مميزاً.
في
هذا الأسلوب، تنسج النقوش فوق أرضية "الكِليم" البسيطة باستخدام عقد
كاملة كما في السجاد التقليدي، فتبدو الزخارف مرتفعة وبارزة عن السطح.
إيلام
عاصمة السجاد البارز
سجلت
مدينة إيلام رسمياً بعنوان "المدينة الوطنية للسجاد البارز"، إذ يعد هذا
الفن مصدر معيشة وهوية للعديد من النساء الريفيات والعشائريات في المحافظة.. ولا
يقتصر السجاد البارز على الجانب الجمالي، بل يمثل مورداً اقتصادياً مهماً، خاصة في
ظل المنافسة الشرسة التي تواجهها الحرف اليدوية أمام المنتجات الصناعية.
ويرى
خبراء الحرف أن السجاد البارز يجسد حلقة وصل بين الفن الكلاسيكي والابتكار الحديث،
فهو يستند إلى قاعدة السجاد التقليدي مع لمسات فنية معاصرة تمنحه طابعاً ثلاثي
الأبعاد فريداً.
ويؤكد
التقرير أن هذا الفن، بما يحمله من ابتكارات وآفاق للتسويق العالمي، يمكن أن يتحول
إلى رمز لإحياء الفنون التقليدية الإيرانية.
قصة
ولادة الفن
تعود
جذور هذا الفن إلى سيدة من قرية زنجيره التابعة لقضاء سرابله تدعى سحر چلانگر.
وأثناء
نسجها سجادة بسيطة، استخدمت عقدة من السجاد الفارسي لتجسيم جزء من الزخرفة، لتكون
تلك اللحظة الشرارة الأولى لولادة هذا الأسلوب الجديد الذي انتشر لاحقاً في أنحاء
المحافظة.
ويقدّر
عدد الحرفيين في محافظة إيلام بأكثر من 7600 حرفي موزعين على 33 فرعاً من الصناعات
اليدوية، يشارك أكثر من نصفهم في إنتاج السجاد البارز؛ ويبلغ حجم الإنتاج السنوي
نحو 3400 متر مربع من هذا السجاد، الذي يعد من العلامات البارزة في الصناعات
التقليدية الإيرانية.
تعتمد
عملية النسج على أدوات تقليدية مثل السكين، القالب، "الدفتين" (أداة دكّ
الخيوط)، والنول المعدني العمودي، وتستخدم جميعها لإبراز النقوش وجعلها مجسّمة.. وتتنوع
التصاميم بين الزخارف التقليدية مثل "اللچك والترنج" (الزهرة المركزية)،
والزهور، والأشكال الهندسية، والرسومات التصويرية التي تبرز بفضل تقنية عقد
السجاد.
تحديات
ومعوّقات
وتواجه
هذه الحرفة، رغم تميزها، عدداً من العقبات أبرزها ضعف التسويق الدولي، ونقص رأس
المال اللازم لتوفير المواد الخام عالية الجودة، إلى جانب غياب وحدات تغليف صناعية
بمعايير حديثة.
وترى
عضو هيئة التدريس في جامعة الفنون بإيلام، الباحثة نادره ملكي، أن "ما يميز
السجاد البارز في إيلام هو الدمج المتقن بين نسيج الكِليم البسيط وعقد السجاد داخل
التصميم ذاته"، مؤكدة أن تجاوز العقبات المذكورة سيفتح الباب أمام التصدير
للأسواق العالمية.
صوت
النساء في الحرفة
من
جانبها، تحدثت فاطمة چيتساز، وهي نسّاجة من قرية سرابله، عن تجربتها قائلة:
"كنت أنسج السجاد البسيط، وذات يوم جربت أن أستخدم عقدة من السجاد الفارسي
لتجسيم جزء من الزخرفة. أعجبت زميلاتي بالفكرة، ومنذ ذلك اليوم بدأت رحلتي مع
السجاد البارز".
وأضافت:
"نأمل أن تعرض منتجاتنا في الأسواق الخارجية تحت اسم علامة (إيلام)، وأن
يواصل شباب القرية هذا الفن. فإذا توفر الدعم المالي والتدريب الكافي، سنخلق فرص
عمل ونحافظ على هويتنا الثقافية".
نحو
هوية فنية عالمية
ويؤكد
التقرير أن السجاد البارز في إيلام فنّ يجمع بين الأصالة والحداثة، ويربط ماضي
الصناعات اليدوية بمستقبل واعد لنساء إيلام المبدعات. ولكي يسطع هذا الفن محلياً
وعالمياً، فهو بحاجة إلى دعم فعلي في مجالات التسويق، وتأمين المواد الخام، وتطوير
العلامة التجارية، وتأهيل الحرفيين تدريباً احترافياً.
فإذا
ما اتجهت المؤسسات الثقافية والجهات المعنية نحو هذا المسار، فإن السجاد البارز لن
يبقى مجرد تذكار محلي، بل تعريفاً فنياً بهوية إيران، وصوتاً يعبّر عن روح نساء
إيلام في فضاء الفن العالمي.