شفق نيوز/ نشرت مسؤولة رفيعة في منظمة هيومن رايتس ووتش تفاصيل مثيرة بشأن حادثة اعتقال وتعذيب مراهق عراقي لسنوات بعد اتهامه بالانتماء لتنظيم داعش، في وقت اتهمت فيه الحكومة العراقية بعدم اتخاذ أي إجراء للتحقيق في هذا المزاعم.
وقالت الباحثة المتخصصة في الشأن العراقي في هيومن رايتس ووتش، بلقيس والي، إن "الحكومة العراقية لم تتخذ أي إجراء للتحقيق في مزاعم التعذيب في السجون العراقية التي تحدثت عنها المنظمة مرارا".
وأضافت أن "الحكومة لا تبدي استعدادا للتحقيق أو أنها لا تمتلك القدرات الكافية"، وفق ما نقل عنها موقع تلفزيون الحرة الذي تموله واشنطن.
وتابعت والي أنه "يمكن للحكومة، في ظل عدم إقرار البرلمان العراقي لمشروع قانون ينص على مناهضة التعذيب، أن تنشئ هيئة ذات صلاحية قانونية لزيارة السجون، والنظر في هذه القضية".
وفي مقال نشر على موقع "جست سيكيورتي"، وهو منتدى متخصص بقضايا الأمن والقانون والحقوق مقره نيويورك، تحدثت والي عن قصة شاب عراقي اتهم بإدارة نقطة تفتيش تابعة لتنظيم داعش إبان سيطرة التنظيم على المدينة في صيف 2014.
ووفقا لرواية الشاب، الذي يبلغ من العمر حاليا 22 عاما، فقد تمكن من الفرار خلسة من المدينة في بداية عام 2015، وكان في حينها يبلغ من العمر 17 عاما.
وبعد نجاحه في الهرب، توجه إلى إيران لإجراء عملية جراحية للعين كان بحاجة إليها لسنوات، ثم عاد إلى الموصل في مايو 2017، بعد أن استعادت القوات العراقية السيطرة على المدينة.
تم اعتقاله من قبل جنود عراقيين في أبريل 2018 من دون أمر قضائي، على حد قوله، وتحت تهديد السلاح أمروه بالاعتراف بأنه كان عضوا في التنظيم المتطرف، لكنه رفض في البداية ليتم ضربه وصعقه بالكهرباء، وتعليقه في السقف مرارا من يديه المقيدتين خلف ظهره.
ويضيف الشاب، الذي لم يتم الكشف عن هويته، أن العملية تكررت لمدة خمسة أيام، ولأنه كان يرفض الاعتراف، هددوه باغتصاب والدته وأخته أمامه.
وفي اليوم الخامس، يؤكد الشاب الموصلي، أن المسؤولين عن اعتقاله أحضروا له ورقة وقالوا إن عليه توقيعها، وهو معصوب العينين، حتى يتمكنوا من نقله إلى المستشفى، لكنه اكتشف فيما بعد أنها كانت خدعة، حيث جعلوه يوقع على إقرار بأنه انضم لداعش لمدة 20 يوما.
وتتابع والي في نشر الاعترافات على لسان الشاب "في المستشفى، أجبر رجال الشرطة الطبيب على توقيع وثيقة تفيد بأن الشاب لم يتعرض للتعذيب، رغم أنه كان يعاني من كدمات واضحة حسب قوله".
وبعدها أخذوه للمثول أمام قاضي تحقيق تجاهل كدماته، وقالوا إن "مخبرا سريا" اتهمه بإقامة نقطة تفتيش لداعش على طريق الموصل في 2015.
أظهر الشاب للقاضي الختم الإيراني في جواز سفره، وهو دليل على أنه لم يكن في الموصل في ذلك الوقت.
لكن بعد 10 أسابيع من اعتقاله، نقلته الشرطة إلى مكتب المخابرات ومكافحة الإرهاب ومجمع سجون في الفيصلية شرقي الموصل، وهو مكان معروف بكونه أحد مواقع التعذيب، وفقا لكاتبة المقال.
يقول الشاب إنه احتُجز هناك لمدة عام في زنزانة مع 250 رجلا وصبيا آخرين على الأقل في ظروف سيئة مع استمرار عمليات التعذيب.
في منتصف 2018، نقل الشاب إلى منزل متضرر يستخدم كمركز للاحتجاز في بلدة القيارة، 60 كيلومترا جنوب الموصل، وفي ديسمبر من العام ذاته نقل إلى سجن تل كيف على بعد 10 كيلومترات شمال الموصل، وزجّوا به في زنزانة تضم حوالي 250 رجلا وصبيا.
"لم تكن هناك مساحة كافية لنا جميعا في الزنزانة للاستلقاء في نفس الوقت، لذلك كان علينا التناوب على النوم"، حسب قوله.
وأضاف أن السلطات نقلت البالغين من سجن تل كيف في يونيوان 2019، ولم تُبقِ سوى المحتجزين الذين كانوا مثله أطفالا وقت ارتكاب جرائمهم المزعومة.
وتابع أن هذا خفف من الازدحام، لكن القوات الخاصة (السوات) التابعة لجهاز مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية جاءت إلى زنزانته ست مرات على الأقل وضربته هو وباقي السجناء.
وتمت إدانته من قبل محكمة الأحداث في نينوى في أغسطس 2019 وحكم عليه بالسجن 6 سنوات بتهمة الانتماء إلى داعش، ولكن محكمة الاستئناف الاتحادية برأته في فبراير الماضي وأطلقت سراحه استنادا إلى الأدلة التي قدمها، وهي الختم الإيراني في جواز سفره والسجلات الطبية لجراحة عينه.
تقول والي إن هيومن رايتس ووتش راجعت سجلات المحكمة وتحدثت إلى موظف فيها حيث أكد رواية الشاب.
وتضيف "أعددنا تقارير عن التعذيب في العراق منذ عقود، لكنه لا زال مستمرا. من الواضح أن لا جدوى من مواصلة دعوة الحكومة العراقية لكي تعالج بنفسها الاستخدام المنهجي للتعذيب وظروف السجون اللاإنسانية".
وتتابع أنه "في ظل غياب الإجراءات البرلمانية، يمكن أن يتحرك رئيس الوزراء الجديد (مصطفى الكاظمي) للحفاظ على كرامة مواطنيه ويعكس مسار بلاده المخزي في مجال التعذيب في الاحتجاز".
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" دعت، الخميس، الحكومة العراقية إلى الانضمام لاتفاقية مناهضة التعذيب، وذلك مع استمرار ورود تقارير وقصص مؤلمة لحوادث تعذيب تشهدها السجون ومراكز الاعتقال في أنحاء مختلفة من البلاد.
وكان البرلمان العراقي قد رفض المصادقة على مشروع قانون مناهضة التعذيب لسنوات، رغم كون الدستور العراقي يحظر التعذيب.
وتنص مسودة القانون على أنه ينبغي أن يأمر القاضي بإجراء كشف طبي لأي محتجز يزعم تعرضه للتعذيب خلال 24 ساعة من العلم بالتعذيب.
ودعت "هيومان رايتس ووتش" الحكومات التي تدعم العراق في حربها ضد داعش، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أن تقدم التمويل والخبرة إلى بغداد من أجل المشاركة بفعالية في مساعدة الحكومة في هذا المرحلة الحاسمة لإنشاء وحدة وطنية لمنع التعذيب، والتي تعد ركيزة أساسية للبروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.