شفق نيوز/ عاد الحديث عن إقامة إقليم البصرة جنوبي العراق، الى الواجهة قبيل إجراء الانتخابات المحلية، التي ستشهد للمرة الأولى، مشاركة كيان سياسي يشترط على المنضمين إليه المطالبة بالاقليم.

ويعبر مواطنون من البصرة -الغنية بالنفط والتي تُعد الشريان الأساسي لإقتصاد العراق- عن الامتعاض من المستوى المتردي لمشاريع الوزارات، معتبرين أن الحلول تبدأ بإعطاء البصرة الصلاحيات والأموال الكافية للنهوض بإعمار المحافظة، ما دفعهم للمطالبة بإقامة إقليم البصرة لتفادي الرجوع الى المركز في كل صغيرة وكبيرة.

وانطلقت دعوات إقليم البصرة في وقت مبكر بعد الاجتياح الأمريكي في 2003، لتكرار تجربة اقليم كوردستان، الإقليم الوحيد في العراق إلى اليوم، لكنها لم تتكلل بالنجاح لأسباب عدة، منها عدم موافقة الحكومة في بغداد على السير بالإجراءات القانونية لإعلان الإقليم. وينص الدستور العراقي الدائم على حق "كل محافظة أو أكثر، في تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه".

وتتم العملية بإحدى طريقتين: "طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، أو طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم".

ويرى مراقبون ان الخطوة قد تتطور لتشمل محافظات أخرى اذا ما قامت الحكومة ببغداد بخطوات تقنع الشارع المحلي في الجنوب أنها صاحبة قرار مركزي.

وسجلت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، حزب الفيحاء الفيدرالي من محافظة البصرة، ويقول اعضاء في هذا التكتل السياسي لمراسل وكالة شفق نيوز، إن "التحالف ثمرة جهود كل المطالبين باقليم البصرة"، مؤكدين ان "المرحلة الأولى لهذا الحراك انطلقت في عام 2008 ولغاية اعلان هذا الحراك السياسي الذي يمثل المرحلة الثانية".

وتابع اعضاء الحراك حديثهم، ان "المرحلة الثالثة تتضمن الدخول للانتخابات، ولن نقبل عضوية الترشيح داخل الحراك السياسي الا اذا كان المرشح مؤمنا كل الايمان بان البصرة يجب ان تكون اقليما، ثم التحرك تحت المظلة السياسية بطريقين، الاول، طرق ابواب البصريين للحصول على الاستفتاءات الثلاثة المطلوبة الـ2٪ والـ10٪ و50+1٪ والثاني، يعتمد على ما نحصل عليه في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة والذي يتمثل بالحصول على تصويت ثلث اعضاء مجلس المحافظة المقبل بجعل البصرة اقليما داخل البلاد".

فكرة الاقليم

يقول أحد المؤسسين لحزب الفيحاء الفيدرالي، كريم الشواك لوكالة شفق نيوز، إن "البصرة ليست حديثة العهد بالمطالبة بالاقليم، بل تعود رؤيتها إلى مطلع عشرينيات القرن الماضي عندما طالب أهلها بنوع من الحكم الذاتي وتم إعادة المحاولة مع اقرار دستور سنة 1925 الاول في العراق آنذاك، ثم تم اعادة الطلب بعد عدة سنوات وتضمن توقيع اكثر من 4000 شخص على ورقة للمطالبة بالحكم الذاتي، لكن الحكومات المركزية لم تعط اي اهمية لهذه المطالب منذ ذلك الحين".

وتابع،" اما الان، فبعد عام 2003 عدنا لذات الفكرة السابقة وهي المطالبة بالاقليم وبدأ النقاش فيها محتدم مع أبناء المحافظة، وهي امور لاحقاً اقرها الدستور والتشريعات المحلية، فالموجود حالياً في الساحة العراقية محافظات غير منتظمة بإقليم، واقاليم معلنة واخرى (أقاليم غير معلنة)، وقد تستغرب من هذا المصطلح، لكنه بالواقع هذا الشيء موجود ولكن في العلن القانوني غير موجود، فالاقاليم غير المعلنة مثلا المحافظات التي تملك مطارات وتملك سلاحاً لحمايتها ومراكز صحية دولية بعيداً عن هيمنة وزارة الصحة عليها وتملك جامعات ومدارس عالمية غير تابعة للجهات الرسمية، وهي موجودة في النجف وكربلاء وهذه من وجهة نظرنا اقاليم غير معلنة".

الفيدرالية هي الحل

يضيف الشواك في حديثه،" نحن كبصريين نرى ان الوضع الفيدرالي ينسجم مع الواقع العراقي، كونه بلد متعدد القوميات، ونملك اكثر من تحرك بهذا الاتجاه، من خلال اجراء احد الاستفتاءات الثلاثة المطلوبة قبل انشاء الإقليم في عام 2008 والتي تتمثل بالحصول على 2% من عدد الناخبين، ثم تم تكرار الفعل في عام 2015 وحصلنا على النسبة المطلوبة ايضا، وقبلت المفوضية قرار الناخب البصري، ثم طالبت مجلس الوزراء بتخصيص مالي للمرحلة الثانية من الاستفتاء ولكن المجلس رفض الطلب".

وبين، "عندما لم يستجب مجلس الوزراء لتحقيق المرحلة الثانية، قمنا بالبحث عن الطريقة الثانية والتي تتمثل بتصويت ثلث اعضاء مجلس المحافظة،وقد حصل التصويت بالفعل انذاك، ولم يتبقى امامنا سوى المرحلة الثالثة وهي نسبة الـ50% ولكن مجلس الوزراء لم يستجب لطلب مجلس المحافظة انذاك".

وأكد عضو حزب الفيحاء الفيدرالي، "الان نسعى لإكمال ما تم البدء به سابقاً، حيث قمنا بتأسيس كيان سياسي للمطالبة باقلمة البصرة وبقية المحافظات، وهذا الكيان السياسي الجديد اسميناه (تجمع او حزب الفيحاء الفيدرالي) وقد تم تسجيله في المفوضية كحزب رسمي، ونحن الان ذاهبون في اتجاه تجربة حظوظنا في الانتخابات المحلية المقبلة"، موضحا ان" التجمع قد يتحرك قضائياً محليا ودولياً واقامة دعاوى ضد الجهات التي وقفت سابقاً بالضد من تنفيذ القانون واعطاء حق البصرة في الحصول على اقليم لها".

ولفت الشواك، إلى ان "حظوظنا في الانتخابات المقبلة صعبة ولكنها ليست مستحيلة، كوننا نؤسس لشيء جديد ونهدف لبناء دولة قائمة على الدستور والقانون، فنحن نرفض التحالف مع الاحزاب الكلاسيكية التي تعتمد على النفوذ في الوزارات، وسنكون شوكة في عيونهم رغم امتلاك ما يمتلكونه من مال وسلاح".

الفشل الذريع

ينبه المحلل السياسي، نجم عبد طارش إلى ان "لجوء المحافظات إلى التفكير بإعلان الاقاليم او تأسيسها يعود إلى الفشل الحكومي الذريع، وتعقيدات الاجراءات الحكومية الروتينية الخاصة بمنح الصلاحيات المركزية ثم اعادتها إليها، هذه امور تشعر المقابل بالغبن، كما ان الأحزاب الاسلامية كانت قد طرحت هذه الفكرة من خلال تأسيس إقليمي الوسط والجنوب، ورسختها في ذهن المجتمع وعندما تسلمت زمام الحكم تراجعت عن هذه الفكرة ".

 واشار لوكالة شفق نيوز، إلى ان "فشل اعلان الاقاليم في هذه المناطق يعود إلى جانب مهم يتمثل بوجود التناحر الحزبي والقبلي والسياسي والعشائري، فالفشل لم يكن في المركز فقط وانما كان بداخل المحافظات وقد تمثل داخل الحكومات المحلية بمجالس المحافظات التي تعتبر تجربة كبيرة في ممارسة المحافظات صلاحياتها المحلية على أرضها، لكنها تحولت فيما بعد الى احد اسباب النقمة الشعبية في ثورة تشرين، لانها كانت صورة مصغرة لما يحصل في المركز والان توجد المخاوف اذا اصبح الاقليم واقعا فربما يسيطر عليه حزب معين او قبيلة معينة او حتى قوى خارجية تحكمه وربما هذه تربك الوضع العام".

ولفت إلى أن "الكرة الان في ساحة الحكومة، وبالحقيقة فإذا تمادى حزب او اي جهة أخرى ممكن ردعه من قبل الحكومة المركزية، اما اذا اصبح الامر بوجود اقليم فيدرالي، فالامر يصبح معمق وصعب بشكل كبير، فربما وجود الاقليم يؤدي إلى إشعال الصراعات بين المحافظات على الموارد، وكلنا نتذكر خطوات محافظ البصرة، عندما منع أهل ذي قار من الحصول على المواد الانشائية من محافظته، فرد عليه اهل ذي قار بمنع بالبصريين من زيارة العتبات المقدسة، هذه امور كلها يجب وضعها بالحسبان عند انشاء الأقاليم".

هل توافق "تشرين" على الاقاليم؟

وبين طارش، "نحن على تواصل دائم مع الناشطين في احتجاج تشرين والاحزاب الناشئة، فإنه لا يتناغم مع فكرة الاقاليم، ورغم ان الفكرة قد طرحت في ذي قار ويوجد لها علم واقليم اسمه سومر، لكن التشرينين فيها يرفضون هذه الفكرة".

هل تنتقل فكرة البصريين إلى محافظات أخرى

يقول طارش،" في الحقيقة هذا الامر يتعلق بالأداء الحكومي، فاذا كان هناك نوع من الانفراج السياسي والتحسن العام فالامر يسير باتجاه ايجاد دولة مركزية وقوية في قرارها، فإن فكرة الاقليم ستنتهي، اما اذا اصاب الأداء الحكومي الفشل بكل شيء، فإن هذه التجارب ممكن ان تلقى اذانا صاغية لها، لكن بشكل عام المزاج العام سواء في البصرة او غيرها من المحافظات ينظر إلى قضية الاقليم بشيء من الريبة، خاصة ان الدعوة لاقامة الاقاليم في هذه الأماكن التي تعتبر موحدة عرقيا دينيا واجتماعيا، خاصة اذا ما علمنا في الوقت الحالي ان سلطات الحكم بيد الشيعة، وبالتالي فإن هذه الفكرة ستواجه بكل الوسائل مستقبلاً".