محلة الحارة في الاعظمية.. تراث بغدادي يواجه شبح الاندثار بقرارات رسمية (صور)

محلة الحارة في الاعظمية.. تراث بغدادي يواجه شبح الاندثار بقرارات رسمية (صور)
2025-02-21T08:29:47+00:00

شفق نيوز/ في قلب الأعظمية، وعلى مقربة من مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان، تقف محلة الحارة شاهدةً على تاريخ بغداد العريق، لكنها اليوم تواجه خطر الإزالة باسم التطوير وتوسعة المراقد.

شوارعها الضيقة، منازلها التراثية، وذكريات سكانها "العتيقة"، جميعها على وشك أن تتحول إلى مجرد أطلال ومساحات جرداء، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حلَّ بالكثير من المعالم البغدادية، تبرز محلة الحارة كضحية جديدة للإهمال وغياب التخطيط، وسط صراع بين من يتمسكون بتراثهم ومن يسعون لمحو التاريخ مقابل التحديث.

وتشكل محلة الحارة في منطقة الأعظمية أحد أبرز معالم التراث البغدادي، إذ تأسست العام 1831 للميلاد، وتعد هذه المحلة من أقدم المحلات البغدادية، حيث شهدت العديد من الأحداث والمتغيرات وصمدت أمام الزمن.

لم يتبقَّ من محلة الحارة حالياً سوى بعض "البيوتات" القديمة المتهالكة، حيث تم هدم العديد من المنازل، مما حوّل المنطقة إلى مساحات جرداء.

وفي هذا الصدد، يقول مؤيد الصالح، أحد سكان الأعظمية الأصليين، إن عدد بيوت محلة الحارة كان يزيد عن 160 بيتاً، وقد قدم الوقف السني تعويضات مجزية لسكان المحلة مقابل ترك منازلهم، إذ دفع 4 ملايين دينار للمتر الواحد خلال العام 2014، حين كان سعر المتر الواحد في المنطقة لا يتجاوز مليوناً ونصف المليون دينار.

ويضيف الصالح خلال حديثه لوكالة شفق نيوز، أن "معظم سكان المحلة باعوا منازلهم للوقف، لكن عدداً قليلاً منهم تمسك ببيوته ورفض بيعها".

 

بين المرقد والمقبرة الملكية.. تاريخ يندثر

وتقع محلة الحارة بين مرقد أبي حنيفة النعمان والمقبرة الملكية، وتضم شوارع ارتبطت بأسماء شخصيات شعبية، مثل شارع سعدة، نسبةً إلى امرأة كانت تبيع الخبز فيه.

ولا يتجاوز طول الشارع 400 متر، ويقسم المقبرة إلى قسمين، محاذياً جانباً دفن فيه علماء وشخصيات بارزة، مثل الشيخ أبو بكر الشبلي (أحد علماء التصوف)، العالم أمجد الزهاوي، الشيخ مكي الواعظ، الشيخ قاسم القيسي، العالم عبد العزيز الخياط، والشاعران ساطع الحصري ومعروف الرصافي.

كما تضم المحلة حماماً تراثياً يعود بناؤه إلى عهد السلطان سليمان القانوني، الذي دخل بغداد خلال العام 1534، وكان الجسر القديم الذي يربط منطقتي الأعظمية والكاظمية قد بني من الدوب، وبقي جسراً عائماً حتى العام 1957، عندما أنشأ الإنجليز جسراً حديثاً بدلاً منه.

 

قرار الإخلاء والإنذار النهائي

في تموز الماضي، أصدر ديوان الوقف السني إنذاراً لسكان محلة الحارة بضرورة إخلاء منازلهم خلال 45 يوماً، للبدء بأعمال توسعة مرقد الإمام أبي حنيفة.

وزار مراسل وكالة شفق نيوز، المنطقة للاطلاع على ما تبقى من آثار وتراث المحلة، والتقط صوراً لبعض الشناشيل القديمة التي تنتظر دورها في الهدم، كما حاول المراسل التواصل مع إدارة مرقد أبي حنيفة للحصول على تصريح، لكن لم يُسمح له بالمقابلة.

في المقابل، تؤكد أسماء الشالجي، رئيسة فريق "أنقياء العراق" للحفاظ على الآثار والتراث، أن "العديد من المناطق التراثية في بغداد اختفت تماماً بسبب عمليات الاستثمار التي لا تأخذ بعين الاعتبار الإطار التراثي لهذه المناطق".

وتشير الشالجي، في حديث لوكالة شفق نيوز، إلى أن "بيوت محلة الحارة قديمة ومتهالكة، وكان من الأفضل ترميمها وتأهيلها بدلاً من إزالتها"، مبينةً أن "زوال محلة الحارة يُضاف إلى مئات الآثار التي اختفت من مناطق بغداد الأخرى، بسبب الإهمال وعدم الاهتمام بالتراث البغدادي، الذي يشكل جزءاً من الذاكرة الحية للمدينة".

 

التمسك والخوف من الانهيار

لا يزال بعض سكان المحلة متمسكين بمنازلهم، رغم الهدم المستمر للبيوت المجاورة، مما يجعلها عرضة للانهيار.

ويقول علي الذيب صاحب الـ 50 عاماً، أحد سكان محلة الحارة، في حديث لوكالة شفق نيوز، "لم أبع منزلي رغم التعويضات السخية، لأنه إرث أجدادي، ويمثل لنا ذكريات وحياة بسيطة لكنها غنية بالمعاني".

لكنه يؤكد في نفس الوقت، أن "منزله يهتز باستمرار بسبب حركة الجرافات والرافعات، وقد يضطر إلى مغادرته خشية سقوطه على عائلته، كما يشير إلى أن أسعار العقارات ارتفعت كثيراً منذ العام 2014، مما يجعل التعويض الحالي غير كافٍ لشراء بيت جديد.

 

غياب التخطيط وتهديد الهوية البغدادية

من جهته، يرى المهندس المعماري محمد قاسم، في حديث لوكالة شفق نيوز، أن "غياب التخطيط العمراني يؤدي إلى إزالة مناطق تراثية دون مبرر قانوني واضح".

ويشير إلى أن الجهات الرسمية تسيطر على بيوت ومناطق واسعة بعد دفع تعويضات مالية، دون الأخذ بعين الاعتبار القيمة التاريخية والفلكلورية لهذه الأحياء.

ويضيف قاسم أن "توسعة المراقد أمر مشروع لفتح السياحة الدينية وإظهار مقامات الأولياء بالمظهر اللائق، لكن يجب أن يتم ذلك بطرق مدروسة تحافظ على الشواهد التاريخية".

ويقترح قاسم أن تعود ملكية محلة الحارة إلى أمانة بغداد، كما كان الحال سابقًا، لأنها الجهة التي تمتلك الصلاحية في مجال الهدم والتعويض والبناء، محذراً من أن التوسع العمراني العشوائي لا يحافظ على هوية وأصالة بغداد، على عكس ما يحدث في العواصم العالمية مثل لندن، حيث يتم التوسع العمراني وفق خطط تحافظ على التراث.

ويشير قاسم إلى أن "العديد من المقترحات قُدمت للجهات المعنية من أجل الحفاظ على الهوية التاريخية للعاصمة بغداد أثناء توسعة المراقد أو إعادة تأهيل المناطق التراثية، لكن دون جدوى حتى الآن".

Shafaq Live
Shafaq Live
Radio radio icon